للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُنتُ أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في السَّفر، فقال يا عقبة: ألا أعلِّمكَ


= أي الذين حضرهم الموت فيستأنسون بها لما فيها من ذكر الله، وأحوال البعث والقيامة، والجنة والنار، وما اشتملتا عليه، والتحذير من فتنة الشيطان، ولأنها قلب القرآن كما يأتي في فضل القرآن: أي فالقراءة مشروعة على المحتضر فقط، وليست مشروعة على الأموات. كذا قال جماعة تبعا لعمل السلف الصالح، وهو ظاهر كلام مالك والشافعي وجمهور المذهبين، وقال الإمام أحمد وبعض المالكية، وبعض الحنفية، وبعض الشافعية: إن القراءة مشروعة على الأموات، وينتفعون بها لعموم الحديث، ولعمل الأمة الآن، وهذا هو الظاهر الذي ينبغي الاعتماد عليه الأمور الآتية:
أولا: أن لفظ الموتى في الحديث نص فيمن مات فعلا، وتناوله للحي المحتضر مجاز، ولا يأتي المجاز إلا بقرينة ولا قرينة هنا. كذا قاله الشوكاني، وقال المحب الطبري: إن العمل بعموم الحديث هو الظاهر. بل هو الحق لحديث الدارقطني (من دخل القبور فقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة، ثم وهب ثوابها للأموات أعطى من الأجر بعدد الأموات).
ثانيا: أن من حكم القراءة التخفيف، وهو كما يطلب للمحتضر يطلب الميت، ففي مسند الفردوس (ما من ميت يموت فيقرأ عنده يس إلا هون عليه)، وقال الإمام أحمد: كانت المشيخة يقولون إذا قرئت يس لميت خفف الله عنه بها.
وثالثا: القياس على قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة وإلا كان تحكما.
ورابعا: (السلام) القياس على السلام المطلوب للموتى في زيارة القبور الآتية. فإذا كان الميت يأنس بالسلام الذي هو من كلام البشر، فكيف لا يأنس ويسر بكلام الرحمن جل شأنه؟
وخامسا: أن السكينة والرحمة ينزلان في محل قراءة القرآن، والميت والمحتضر. بل كل مخلوق في أشد الحاجة إلى رحمة الله تعالى.
وسادساً: القياس على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل الخلق وأكملهم يرتقي في الكمالات بسبب صلاة الأمة عليه. فكيف لا ينفع الأوات بقراءة القرآن.
وسابعا: ما يأتي في فضل القرآن: من أن رجلا كان في سفر مع رفقة، فضرب خباءة على قبر وهو لا يشعر فسمع فيه إنسانا يقرأ (تبارك الذي بيده الملك) حتى ختمها. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال هي المانعة، هي المنجية تنجيه من عذاب القبر (انظر ص ٣٧٢) فإذا ثبت قراءة القرآن من الميت في قبره فكيف نمنعها من الحي على القبر؟ بل هو أولى لأفضليته فضلا عما تقدم. فالمانع ليس له دليل، ومعلوم في الشرع أن النفي والإثبات لا بد لهما من دليل ولا دليل له، ولعل مالكا والشافعي لم يصح عندهما هذا الحديث: (اقرءوا يس على موتاكم) وإلا لقالا به لما اشتهر عن الشافعي: إن صح الحديث فهو مذهبي. بل وعمل السلف لا يخصص عموم الحديث، وهذا كله ما لم يوهب ثواب القراءة للميت، وإلا كان نوعا من الدعاء الذي ينتفع به الميت قطعاً لما يأتي في سؤال القبر (استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) ولا يرد قوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سمي) لأنها في السابقين، أو هي من العام المخصوص بغير ما ورد كالصدقة والدعاء والقراءة، أو هي في الكافر، وفي هذا إقناع لمن أراد الإنصاف، ومن أراد تأييد مذهب فليذهب كما يشاء. أهـ من كتاب التاج للشيخ منصور ناصف في باب الذكر والدعاء والقرآن عند المحتضر ص ٣٦٨ جـ ١.
وورد في تفسير الشيخ الصاوي قوله صلى الله عليه وسلم:
أ - (وما من ميت يقرأ عليه يس إلا هون الله عليه).
ب - (إن في القرآن لسورة تشفع لقارئها وتغفر لمستمعها ألا وهي سورة يس، تدعى في التوراة المعمة. قيل =

<<  <  ج: ص:  >  >>