للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الله عنه؛

أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فإنَّ الظَّنَّ أكْذِبُ الحَدِيثِ".

والأحاديثُ بمعنى ما ذكرته كثيرة، والمراد بذلك عقدُ القلب (١) وحكمُهُ على غيرك بالسوء، فأما الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقرَّ ويستمرّ عليه صاحبُه فمعفوٌ عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيارَ له في وقوعه، ولا طريقَ له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبتَ في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي ما حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها ما لَمْ تَتَكَلَّم بِهِ أوْ تَعْمَلْ" (٢) قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقرّ. قالوا: وسواءٌ كان ذلك الخاطِرُ غِيبة أو كفرًا أو غيرَه؛ فمن خطرَ له الكفرُ مجرّد خَطَرٍ من غير تعمّدٍ لتحصيله، ثم صَرفه في الحال فليس بكافر ولا شيء عليه.

وقد قدّمنا في باب الوسوسة في الحديث الصحيح أنهم قالوا: يا رسولَ الله! يجدُ أحدُنا ما يتعاظمُ أن يتكلَّمَ به، قال: "ذلكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ" (٣) " وغير ذلك مما ذكرناه هناك وما هو في معناه.

وسببُ العفو ما ذكرناه من تعذّرٍ اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حرامًا. ومهما هرضَ لك هذا الخاطرُ بالغيبة وغيرها من المعاصي وجبَ عليك دفعُه بالإِعراض عنه وذكر التأويلات الصارفة له عن ظاهره.


(١) "عقدُ القلب": تحقيق الظن وتصديقه، بأن تركن إليه النفس، ويميل إليه القلب، لا ما يهجس في النفس ولا يستقر
(٢) البخاري (٥٢٦٩)، ومسلم (١٢٧) (٢٠٢)
(٣) مسلم (١٣٢) ولفظه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنّا نجدُ في أنفسنا ما يتعاظَمُ أحدُنا أن يتكلَّم به. قال: "وقدْ وجدتُموه؟ " قالوا: نعم قال: "ذاك صريحُ الإيمان"

<<  <   >  >>