للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكما هو معلوم أن كل ما نُسب إلى الله عَزَّ وَجَلَّ نال شرفًا بذلك فهو أشرف الأمور، فنسب الله تعالى الكعبة بلى نفسه وهي أشرف الأماكن على الإطلاق، ونسب لنفسه شهر المحرم؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم" (١)، ونسب لنفسه الصوم فدل ذلك على أنه من أفضل الأعمال.

قال الحافظ ابن رجب -عليه رحمة الله تعالى: وقد كثر القول في معنى "الصوم لي" وذكروا فيه وجوهًا كثيرة، ومن أحسن ما ذُكِر فيه وجهان:

أحدهما: أن الصيام هو مجرد ترك حظوظ النفس وشهواتها الأصلية التي جبلت على الميل إليها لله عَزَّ وَجَلَّ، ولا يوجد ذلك في عبادة أخرى غير الصيام؛ لأن الإحرام إنما يُترك فيه الجماع ودواعيه من الطِّيب دون سائر الشهوات من الأكل والشرب، وكذلك الاعتكاف مع أنه تابع للصيام، وأما الصلاة فإنه وإن ترك المصلي فيها جميع الشهوات إلا أن مدتها لا تطول، فلا يجد المصلي فَقْدَ الطعام والشراب في صلاته، بل قد نُهي أن يُصلي ونفسُه تَتُوق إلى طعام بحضرته حتى يتناول منه ما يُسَكِّن نفسه؛ ولهذا أُمر بتقديم العَشَاء على الصلاة.

وهذا بخلاف الصيام؛ فإنه يستوعب النهار كله، فيجد الصائم فَقْدَ هذه الشهوات، وتتوق نفسه إليها خصوصًا في نهار الصيف لشدة حرِّه وطوله؛ ولهذا روي أن من خصال الإيمان الصوم في الصيف، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم رمضان في السفر في شدة الحر دون أصحابه، كما قال أبو الدرداء: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان في سفر، وأحدنا يضع يده على رأسه من شدة الحر


(١) أخرجه: مسلم (١١٦٣).

<<  <   >  >>