للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهل رأوا إلا كلاما تضيءُ ألفاظُه كالمصابيح، فعصفوا عليه بأفواههم كما تعصف الريح، يريدون أن يطفئوا نور الله، وأين سراج النجم من نفخة ترتفع إليه كأنما تذهب تطفيه، وأين نور القمر من كفٍّ يحسِب صاحبُها أنها في حجمه فيرفعها كأنما يخفيه!

وهيهات هيهات، دون ذلك دَرْجُ الشمسِ وهي أم الحياة في كفن، وإنزالُها بالأيدي وهي روح النار في قبر من كهوف الزمن.

لا جرم أن القرآن سر السماء، فهو نور الله في أفق الدنيا حتى تزول، ومعنى الخلود في دولة الأرض إلى أن تدول، ولذلك إن تمادى أهل الباطل في طغيانهم يعمهون، فستظل آياته تلقف ما يأفكون، {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: ١١٨] (١).

[فضائل القرآن]

[(١) القرآن رحمة]

قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ في ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: ٥١]، أولم يكفهم أن يعيشوا مع السماء بهذا القرآن، يشعرهم أن عين الله عليهم، وأنه معنيٌّ بهم يتنزل عليهم كلامه، يحدثهم بما في نفوسهم، وهم هذا الخلق الصغير الضئيل التائه في ملكوت الله الكبير ..

واللهُ بعد ذلك يكرمهم حتى أنه ينزل عليهم كلماته تتلى عليهم، والذين يؤمنون هم الذين يجدون مسَّ رحمةِ الله في نفوسهم، وهم الذين يتذكرون فضل الله وعظيم منته على البشرية بهذا التنزيل، ويستشعرون كرمه وهو


(١) إعجاز القرآن للرافعي (٢٩ - ٣١).

<<  <   >  >>