للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(جـ) أن الغنيَّ يعرف قدر سعة الله عليه؛ بإقداره له على ما منعه كثيرًا من الفقراء من فضول الطعام والشراب والنكاح؛ فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص، وحصول المشقة له بذلك يتذكر به من مُنِع من ذلك على الإطلاق؛ فيوجب له ذلك شكر نعمة الله عليه بالغنى، ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته بما يمكن من ذلك.

(د) أن الصيام يضيِّق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فتَسْكُن بالصيامِ وساوسُ الشيطان، وتنكسر سَوْرَةُ الشهوة والغضب؛ ولهذا جعل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصومَ وِجاءً؛ لِقَطْعِه شهوةَ النكاح.

إشارة مهمة:

واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حَرَّم في كل حال، من الكذب، والظلم، والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم؛ ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من لم يَدَعْ قولَ الزور، فليس لله حاجةٌ في أن يدعَ طعامه وشرابه" (١)، في حديث آخر: "ليس الصيام من الطعام والشراب؛ إنما الصيام من اللغو والرفث" (٢)، وقال بعض السلف: أهون الصيام ترك الشراب والطعام، وقال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقارٌ وسكينةٌ يومَ صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رُبَّ صائمٍ حظُّهُ من الصيام الجوعُ والعطش، ورُبَّ قائمٍ حظُّهُ من القيام السهر" (٣).


(١) أخرجه البخاري (١٨٠٤).
(٢) أخرجه ابن خزيمة (٢/ ٢٤٢)، وصححه الألباني (٥٣٧٦) في "صحيح الجامع".
(٣) أحمد (٢/ ٣٧٣)، وصححه الألباني (٧٥٩) في "صحيح الجامع".

<<  <   >  >>