للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس، حتى ولا لتعليم علم وإقراء قرآن؛ بل الأفضل الانفراد بنفسه، والتخلي بمناجاة ربه وذكره ودعائه.

إذًا فمعنى الاعتكاف وحقيقته:

قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق، وكلما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به؛ أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله بالكلية على كل حال. كان بعضهم لا يزال منفردًا في بيته خاليًا بربه، فقيل له: أما تستوحش؟، قال: كيف أستوحش وهو يقول: "أنا جليس من ذكرني".

[كيف نحصل حلاوة الاعتكاف؟]

أما كون الطاعة ذات حلاوة فيدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ذاق طعم الإيمان" (١)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان" (٢)، والمقصود أن ذوق حلاوة الإيمان والإحسان أمرٌ يجده القلب، تكون نسبته إليه كنسبة ذوق حلاوة الطعام إلى الفم.

واعلم -علمتَ كُلَّ خير- أن حلاوة الطاعة مَلاكها في جمع القلب والهَمِّ والسِّرِّ على الله. ويفسر ابن القيم ذلك قائلًا:

الاعتكاف هو عكوف القلب بكليته على الله -عز وجل-، لا يلتفت عنه يَمنةً ولا يَسْرة، فإذا ذاقت الهمة طعم هذا الجمع اتصل اشتياقُ صاحبها وتأججت نيرانُ المحبة والطلبِ في قلبه ..

ثم يقول: فلله هِمةُ نفس قطعت جميع الأكوان وسارت، فما ألقت عصا السير إلا بين يدي الرحمن تبارك وتعالى، فسجدت بين يديه سجدة الشكر


(١) أخرجه مسلم (٣٤).
(٢) متفق عليه، البخاري (١٦)، مسلم (٤٣).

<<  <   >  >>