للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أنه لا يغدر. وكذلك الرسل لا تغدر.

وسألتك: هل قال هذا القول أحد قبله؟ فزعمت أن لا. فقلت: لو قال هذا القول أحد قبله. قلت رجل ائتم بقول قيل قبله.

قال: لم قال: بم يأمركم؟ قلت: يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف.

قال: إن يكن ما تقول فيه حقًّا، فإنه نبي وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنه منكم. ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه ولو كنت عده لغسلت عن قدميه وليبلغن ملكه ما تحت قدمي.

قال: ثم دعا بكتاب رسول الله Object فقرأه، فهذا فيه:

Object

من محمَّد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإِسلام (١)، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين. وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين (٢) ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (٣).

قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب، أكثر عنده الصخب، وارتفعت الأصوات وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمِرَ أمرُ ابن أبي كبشه، إنه يخافه ملك بني الأصفر. فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام.

وكان ابن الناطور -صاحب إيلياء وهرقل- أسُقفًا على نصارى الشام، يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يومًا خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك. قال ابن الناطور: وكان هرقل حزاءً ينظر في النجوم.


(١) دعاية الإِسلام: دعوة الإِسلام وهي كلمة التوحيد.
(٢) الأريسيين: الأكارون، أي الفلاحون والزراعون، ومعناه أن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون بانقيادك، ويقال إنهم الهود والنصارى أتباع عبد الله أريس الذي تنسب إليه الأروسية من النصارى، ويقال: إنهم الملوك الذين يقودون الناس إلى المذاهب الفاسدة ويأمرونهم بها، والقول الأول: هو الأصح والأشهر.
(٣) ٣ / آل عمران آية ٦٤.

<<  <   >  >>