للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال العباس: فقلت: ويلك أسلم، واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قبل أن يضرب عنقك، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، قال العباس: فقلت: يا رسول الله! إن أبا سفيان يحب الفخر، فاجعل له شيئًا، فقال: نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن).

فلما انصرف إلى مكة ليخبرهم قال رسول الله ﷺ: (احبسه بمضيق من الوادي عند حطم الخيل (١)، حتى تمر به جنود الله).

فحبسه العباس حيث أمره رسول الله ﷺ، فمرت القبائل على ركابها، فكلما مرت قبيلة، قال: من هذه؟ فأقول: بنو سليم، فيقول: ما لي ولبني سليم، ثم تمر أخرى فيقول: ما هؤلاء؟ فأقول: مزينة، فيقول: ما لي ولمزينة، فلم يزل يقول ذلك حتى مرت كتيبة رسول الله ﷺ الخضراء (٢)، فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق (٣)، قال: من هؤلاء؟ فقلت: هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار، فقال: ما لأحد بهؤلاء قبل (٤)، والله لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم لعظيم، فقلت: ويحك يا أبا سفيان، إنها النبوة، قال: فنعم إذا، فقلت: النجاء إلى قومك.

فخرج حتى أتاهم بمكة، فجعل يصيح بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمَّد، قد أتاكم بما لا قبل لكم به، فقامت امرأته هند بنت عتبة، وأخذت بشاربه فقالت: اقتلوه الحميث (٥) الدسم (٦) فبئس طليعة قوم، فقال أبو سفيان: لا يغرنكم هذه من أنفسكم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقالوا: ويحك ما تغني عنا دارك. قال: ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد" (٧).


(١) حطم الخيل: أي، ازدحامها وفي رواية خطم الجبل: أي أنفه.
(٢) الكتيبة الخضراء: ما غلب عليها لبس الحديد، شبه سواده بالخضره، والعرب تطلق الخضرة على السواد.
(٣) الحدق: العيون.
(٤) قبل: طاقة ومقدرة.
(٥) الحميت: الزق.
(٦) الدسم الحمش: الأسود الدني.
(٧) انظر تخريجه في الحديث السابق فإنه جزء منه.

<<  <   >  >>