للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كنت راكباً في الباص من أيام، فخطر على بال السائق الطرب ففتح الراد (ووضع الرادّ في الحافلات عادة شنيعة لا أدري متى تبطل) فإذا رجل يُخرج صوتاً عجيباً لا يشبه أصوات بني آدم، صوت كأنه صوت مختنق يطلب النجدة ثم يمنعه الماء في فمه أن يفصح أو يبين، أو كأنه صوت امرأة أخذها الطلق، أو كأنه صوت دجاجة علقت بها البيضة فلا تخرج ولا ترجع ... وسألت جاري مدهوشاً: ما هذا؟

قال: هذا فلان (واحد من المغنين المشهورين)، يغني، يقول: آه!

فلم أصدق حتى جاء بأربعة شهود من ركاب الباص فشهدوا أن هذا الصوت الغريب هو غناء مغنّ يقول: آه!

ونظرت فإذا هذه الـ «آه» قد خرج ربعها فكان على لسانه، وربعها علق في حلقه، ونصفها أصابه الإمساك المزمن فبقي في جوفه فلا يخرج إلا بشربة زيت خروع! فقلت: ولماذا لا يغني كما يغني الناس؟

قالوا: هذا هو الفن الجديد.

قلت: لعنة الله على هذا الفن الجديد! أين هذا من آهات صالح عبد الحي وعبده الحمولي؟ أين هذا من غناء الأمس؟ اسمعوا برنامج نشوة الماضي (إن كنتم لا تعرفون تلك الأغاني) ثم انظروا الفرق بين الاثنين. بين ذلك الانطلاق وتلك الحرية وذلك الطبع وبين هذا التكلف وهذه القيود وهذه الحشرجات.

<<  <   >  >>