للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

-١ -

نحن في صحن الجامع الأزهر في مصر، بعد المغرب، وكان شيخ الأزهر الرجل العظيم بعلمه، العظيم بمنصبه، الشيخ الباجوري (المؤلف المشهور) (١) وقد قعد على عادته كل عشية وأقبل العلماء والطلبة يقبلون يده (٢). وكان الشيخ مصطفى المبلِّط أكبر منه سناً، وكان قد نازعه مشيخة الأزهر وزاحمه عليها ولم يدّخر في سبيل الفوز بها جهداً، فلما صارت للباجوري صار يعظمه ويرعى له حق منصبه، فلما أقبل الناس هذه العشية على الشيخ لتقبيل يده اندس بينهم وقبل يده معهم، فانتبه له الباجوري وعرفه، فوثب قائماً وأمسك بيده وجعل يبكي ويقول: حتى أنت يا شيخ مصطفى؟ لا! لا!

فقال الشيخ مصطفى: نعم، حتى أنا. لقد خصك الله بفضل وجب أن نقرّه، وصرت شيخنا فعلينا أن نوقرك.

-٢ -

وهذه صورة أخرى من الأزهر في ساعة الظهيرة، وقد خلا من المدرسين ولم يبقَ فيه إلا طلاب لبثوا قاعدين يتراجعون مسألة من مسائل الدرس، أو ينظرون في كتاب من الكتب،


(١) تقلد مشيخة الأزهر سنة ١٢٦٣ هـ إلى أن توفي سنة ١٢٧٧ (مجاهد).
(٢) تقبيل يد العالم لم يكن يعرفه السلف، ولا بأس به ما لم يطلبه العالم ويحرص عليه ويمد يده لكل من يسلم عليه، يضعها أمام فمه ليقبلها!

<<  <   >  >>