للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قائمين على مشارف دورهم أو على أبواب منازلهم، فإذا سمعوا ضربة المدفع، أو أبصروا ضوء المنارة، أو رنّ في أسماعهم صوت المؤذن، عمّت الفرحة الكبار والصغار، فانطلقت وجوه الكبار، وصاح الصغار بنغمة موزونة: "أذَّنْ أذَّنْ أذَّنْ" وطاروا إلى دورهم كعصافير الروض، يرضى كلٌّ بما قُسم له ويحمد الله عليه، قد راضهم الجوع على أن يتقبلوا كل طعام، فكل طعام هو في أذواقهم -تلك الساعة- أطيب طعام. فإذا فرغوا من طعامهم أمّوا المساجد فقاموا بين يدي ربهم وخالقهم صفاً واحداً، متراصّة أقدامُهم ملتحِمةً أكتافُهم، وجباهُهم جميعاً على الأرض. الغني والفقير، والكبير والصغير، والصعلوك والأمير، يذلّون لله، يضعون له وجوههم عند مواطئ الأقدام، فيعطيهم الله بهذه الذلة له عزّة على الناس كلهم، فتنخفض لهم رؤوس الملوك والجبارين حتى تقع على أقدامهم، ومن ذلّ لله أعزه الله، ومن كان لله عبداً جعله الله في الدنيا سيداً، ومن كان مع الله باتباع شرعه والوقوف عند أمره ونهيه وإتيان فرائضه واجتناب محرّماته كان الله معه بالنصر والتوفيق والغفران. وبذلك ساد أجدادنا الناس، وفتحوا الأرض من مشرقها إلى مغربها، وحازوا المجد من أطرافه، وأقاموا دولة ما عرف التاريخ أنبل منها ولا أفضل، ولا أكرم ولا أعدل.

* * *

هذه صورة رمضان الحلوة. أفلا تُستحلى معها مرارة الصورة الأخرى؟ إنه دواء فمَن مِن العقلاء لا يحتمل ألم الدواء لما يرجو بعده من لذة الشفاء؟

<<  <   >  >>