للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كم رأينا بعدُ وكم شاهدنا!

رأينا ولادة الاستقلال وموته في ميسلون، ودخول غورو، وثورة سنة ١٩٢٥ التي دامت سنتين، قهرنا فيها فرنسا التي غلبت الإمبراطور غليوم، غلَبَها منّا مئاتٌ من الثوار. وشهدنا بعث الاستقلال سنة ١٩٤٦، والانقلابات التي بدأها حسني الزعيم ولم تنتهِ بعد (ولا يعلم أحد متى تنتهي)، والوحدة والانفصال.

كم شاهدنا من دول قامت ثم زالت، وعهود كانت ثم انقضت، وناس كانوا على كراسي الحكم في السراي ثم صاروا على حصير السجن أو على أعواد المشانق! أدركنا عهد الترك، وعهد الشريف، وعهد الفرنسيين، وعهد الاستقلال، وعهد الوحدة ...

وما عهدٌ منها إلا بكينا فيه منه وبكينا بعده عليه!

الناس يقرؤون التاريخ، ولكنّا عشنا نحن في التاريخ، لم نطلّ عليه من نوافذ المناهج المدرسية بل كنا فيه من داخل. الأساتذة والمؤرخون الذين يكتبون التاريخ يقعدون مع المشاهدين، وكنا نحن على المسرح مع الممثلين.

يقولون إن الدهر دولاب يدور أبداً، يرفع ويضع، ويعلي وينزل، ولكنه كان يدور ببطء عقرب الساعة، فصار يدور بسرعة مراوح الطيّارة. لقد تبدلت الأحوال وتغير المجتمع في هذه السنين الخمسين أضعافَ أضعاف ما تبدلت في القرون الخمسة الماضية.

* * *

<<  <   >  >>