للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صواب؛ وإن أراد له مخالفته لعقيدة الحنابلة، فذلك أمر ممكن، لأنّه كما ذكرنا قبلا قد خرج من دائرته الاجتماعية الضيّقة وساح في البلاد، وخالط مختلف طبقات العباد، واتّسعت آفاق فكره باطّلاعه على كتب الحكماء الطبيعيّين ولو لم يستوعب دراسة الحكمة ولا استوفاها، واتّصل بأهل المذاهب الاخرى ولا سيّما الشافعية، وقد تصوّف بسببهم مجبرا مظؤورا، وخالط الشيعة الإمامية علماءها ونسّابيها كعبد الكريم بن طاوس، فقد ساكنه في مشهد البرمة ببغداد، ورضيّ الدين علي ابن طاوس الصغير النقيب، وقد رافقه في السفر الى السلطانية، كما مرّ، والنصير الطوسيّ، وقد تتلمذ عليه والتجأ إليه ووجد فيه المفيد المعين، والمساعد، وخالط غيرهم ممّن ذكرهم في معجمه، وعرّفنا منهم جماعة انضمّ على أسمائها وسيرها الجزءان المعثور عليهما من التلخيص. وأمّا شربه المسكر فقد صرّح هو نفسه بما يشعر به في ترجمة الوزير غياث الدين محمد ابن الوزير رشيد الدين، وقد تقدّم، وأمّا صحّة عقيدته الاسلامية عموما فثابتة بما كان ينعى على ذوي العقيدة السيئة والمتفلسفين الذين لا يقولون بالشريعة المحمّدية، كما ذكر هو (١). وأمّا عدالته فقد ذكرنا أنّ قاضي القضاة الحسن بن القاسم النيلي قبل شهادته سنة ٧٠٨ هـ‍ من غير تزكية؛ وفي ذلك ما فيه من جليل التعديل، ولعلّه كان في زمان أعوزت فيه الشهود المزكّون الذين تقبل شهادتهم فيه.

إنّ ابن الفوطيّ، وإن ألّف بمراغة كتاب «من قصد الرصد» وسمع جماعة من الشيوخ والعلماء فيها وفي غيرها من بلاد الفرس، فأعظم سعيه في سماع الشيوخ وجمع الأحاديث قد ابتدأ بعد رجوعه الى بغداد سنة ٦٧٩ هـ‍ لأنّ بغداد يومئذ لا تزال معدن الرّواة والمحدّثين، ومباءة العلماء والفضلاء، وإن ذهب كثير منهم بالسيف في واقعة المغول سنة ٦٥٦ هـ‍ ولأنّ الكوفة كانت تحتفظ بجماعة من شيوخ الإماميّة وشيوخ الحنفيّة، هم منية طالب الحديث وطلبة متمني الرواة؛ ولأنّ الحلّة احتضنت الأدب العربيّ بعموم معناه بعد سقوط بغداد بأيدي المغول،


(١) (راجع ترجمة عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الايجي من هذا الكتاب).

<<  <  ج: ص:  >  >>