للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَغَوَّرت مناهلها وعيونها، فسالُكها غريب بين العباد، فريد بين كل حيٍّ وناد، بعيد على قرب المكان، وحيد على كثرة الجيران، مستوحش مما [به] يستأنسون، مستأنس مما به يستوحشون، مقيم إذا ظَعَنُوا، ظاعن إذا قَطَنوا (١)، منفرد في طريق طلبه، لا يَقَرُّ قراره حتى يَظْفَرَ بأربِه، فهو الكائنُ معهم بجسده، البائنُ منهم بمقصده، نامت في طلب الهدى أعينهم وما ليلُ مَطِيهِ بنائم (٢)، وقعدوا عن الهجرةِ النبوية وهو في طلبها مُشَمِّرٌ قائم، يعيبونه بمخالفة آرائهم، ويُزْرُونَ عليه إزراء على جهالاتهم وأهوائهم؛ قد رَجَموا فيه الظُّنون، وأَذْكَوْا (٣) عليه العيون، وتَربَّصُوا به ريبَ المنون. ﴿فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢)(٤). ﴿قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١١٢)(٥).

نَحْنُ وإيَّاكُمُ نموتُ ولا (٦) … أفلحَ عند الحسابِ مَن نَدِمَا

والمقصود أن هذه الهجرة النبوية شأنها شديد، وطريقها على غير المشتاق وَعِيْرٌ بعيد.


(١) في الأصل: "قطعوا" تحريف.
(٢) إشارة إلى بيت جرير (في ديوانه: ٩٩٣):
لقد لُمتِنا يا أمَّ غيلانَ في السُّرَى … ونمتِ وما ليلُ المطيِّ بنائمِ
(٣) ق، ط: "أحدقوا فيه". وفي هامش الأصل: "أي أحدقوا".
(٤) سورة التوبة: ٥٢.
(٥) سورة الأنبياء: ١١٢.
(٦) ط: "فما".

<<  <  ج: ص:  >  >>