للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكان من جملة أهداف النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يهدم بناء الكعبة ويقيمه على أصل بناء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، ويدخل الحجر، ويجعل لها بابين .. ،وهو هدف رائع ونافع، لكنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - راعى عدم امكانية تنفيذه وقتئذٍ، كون النّاس قريببي عهد بجاهلية، وقد تتحقق مفسدة في الهدف أكبر من المنفعة، فترك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تنفيذ هذا الهدف.

وحينما جاء الوقت المناسب في خلافة عبد الله بن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - كان الوضع مناسباً فنفّذ ابن الزبير هذا الهدف.

ثالثاً: أن يكون الهدف واقعياً:

ونعني به أن يكون له أثر على الواقع لا أنه خيالي غير واقعي، أو هدف لا يتحقق بأي شكلٍ من الأشكال.

ويقال: إنّ ملكاً خرج يوماً في رحلة تستغرق أياماً في غابات مملكته الواسعة، وفي طريق عودته شعر بألم في قدميه، فقرر أن يفرش طرقات المملكة على طولها وعرضها جلداً كي لا تتورم قدماه من جديد! وهذا عمل شاق جداً، فقال له الوزير الفطن: يا سيدي لم لا تغطي قدميك بالجلد؟ (١) فالأهداف لابد لها من واقعية وإمكانية.

ولذا سعى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لإصلاح الشباب والحفاظ على السلوك القويم فهم عصب الأمة، والشريان الحي لها، وحياة الأمم بحياة شبابها، وضياعها بانحرافهم عن القيم والثوابت.

فكان من أهم الأهداف النبوية تحصين الشباب من المزالق الفكرية والخلقية، إذن الهدف كان (حماية الشباب من الإنحراف) وهذا هدف واقعي، ليس خيالياً.

وقد تعامل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بواقعية تامة مع هذا الهدف، فمثلما منعهم من الزنا، دعاهم ورغبهم في الزواج وإنشاء الأسر القويمة، ولما كان هذا الهدف واقعياً فقد ترك اثراً واضحاً في نفوس الشباب، وتأمل كيف عالج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - غريزة ذاك الشاب الذي جاءه يريد من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يبيح له الزنا دون النّاس، فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا. فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه. فقال - صلى الله عليه وسلم -:" أدنه فدنا منه قريباً"، قال فجلس، قال - صلى الله عليه وسلم -:" أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال:" ولا النّاس يحبونه لأمهاتهم". قال:" أفتحبه لابنتك قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك. قال:" ولا النّاس يحبونه لبناتهم". قال:" أفتحبه لأختك قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال:" ولا النّاس يحبونه لأخواتهم". قال: "أفتحبه لعمتك؟ " قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال:" ولا النّاس يحبونه لعماتهم". قال:" أفتحبه لخالتك"؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك.


(١) ينظر: أفكار صغيرة لحياة كبيرة، كريم الشاذلي ص٧٩.

<<  <   >  >>