للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالهجرة على عضم منزلتها في الإسلام، حتى قال تعالى في فضلهم {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} التوبة٢٠

وقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في فضل الهجرة:" لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ... " (١).

وقد أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالهجرة بيدأن لها زمناً محدداً، فكانت الهجرة فرض عين ثم نسخت بهذا الحديث (٢)، فالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - رسم لها خطة زمنية محددة، ابتدأت في ساعة وانتهت في ساعة.

قال الحافظ في الفتح:" وإنما كان كذلك؛ لأنّ مكة بعد الفتح صارت دار إسلام فالذي يهاجر منها للمدينة إنما يهاجر لطلب العلم أو الجهاد لا للفرار بدينه بخلاف ما قبل الفتح" (٣).

ومن ذلك أنّ الله تعالى شرع لنبيه - صلى الله عليه وسلم - إعطاء سهم من أسهم الزكاة لمن يريد أن يتالفه للإسلام، فكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يعطي الرجل الغني من مال الزكاة والخمس؛ ليقربه من الدين ويتألفه حتى يقوى عوده في الإسلام ويعايش كبار المسلمين فيقوى ويصلب في الدين، فعن أنس - رضي الله عنه -، قال: قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إني أعطي قريشا أتألفهم، لأنهم حديث عهد بجاهلية" (٤).ومن هؤلآء صفوان بن أمية، فأخرج مسلم من حديث صفوان أنّه قال: «والله لقد أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أعطاني، وإنه لأبغض النّاس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب النّاس إليّ" (٥).

فالهدف من هذا السهم هو تأليف القلوب للإسلام في فترة من الفترات الزمنية المحددة، وينتهي زمنه بقوة الدين في نفوس النّاس، لذا فإن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أوقف هذا السهم.

قال ابن تيمية:"وما شرعه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - شرعاً معلقاً بسبب إنما يكون مشروعاً عند وجود السبب: كإعطاء المؤلفة قلوبهم؛ فإنه ثابت بالكتاب والسنة. وبعض النّاس ظنَّ أنَّ هذا نسخ، لما روي عن عمر - رضي الله عنه -: أنه ذكر أن الله أغنى عن التألف، {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} الكهف٢٩، وهذا الظن غلط؛ ولكن عمر استغنى في زمنه عن إعطاء المؤلفة قلوبهم، فترك ذلك لعدم الحاجة إليه؛ لا لنسخه" (٦).


(١) أخرجه بتمامه البخاري (٧٢٤٤)،وغيره.
(٢) ينظر: فتح الباري، ابن حجر ٧/ ٢٥٩.
(٣) المصدر نفسه ١٠/ ١٨٥.
(٤) أخرجه البخاري (٢٩٧٧)،ومسلم ٢/ ٧٣٣ (١٠٥٩)،وغيرهما.
(٥) صحيح مسلم ٤/ ٠٦٨ ((٢٣١٣).
(٦) مجموع الفتاوى ٣/ ٢٦٠.

<<  <   >  >>