للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه الأجزاء تتكامل بمجموعها فتشكل الإسلام، ولا يفهم منه أنّ من أقر بالشهاديتن، والصلاة ثم جحد الزكاة أنه على الإسلام، بل هذه الأهداف الجزئية يكمل بعضها بعضاً، فلا تقبل الشهادتان بلا صلاة، ولا صلاة بلا زكاة، وهذا التكامل في الأهداف الجزئية قد فهمه أعظم رجل بعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الأمة أبو بكر الصديق حينما قاتل مانعي الزكاة، فأخرج الشيخان من حدث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أبو بكر - رضي الله عنه - وكفر من كفر من العرب، فقال عمر - رضي الله عنه - كيف تقاتل النّاس؟ وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" أمرت أنْ أقاتل النّاس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلاّ بحقه وحسابه على الله ". فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإنّ الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها. قال عمر - رضي الله عنه - فوالله ما هو إلا أنْ قد شرح الله صدر أبي بكر - رضي الله عنه - فعرفت أنه الحق" (١).

ومن يتأمل مراحل الدعوة النبوية، المرحلة السرية، والعلنية، والهجرة، وإقامة الدولة، والفتوحات، كلها مراحل متكاملة غير متضاد ولا متقاطعة، وكانت كل واحدة من هذه الأجزاء هدفاً مستقلاً في فترة زمنية معينة، تكاملت لتشكل الهدف الكبير (دعوة الإسلام).

ومن ذلك أيضاً: الأهداف الرئيسة التي حققها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في أوّل مقدمه المدينة المنورة، وهي (بناء المسجد، المؤاخاة، وثيقة المدينة) فهذه أهداف جزئية تتكامل ضمن هدف كبير هو بناء الدولة المؤسساتية.

فأول مؤسسة بنيت في دولة الإسلام هي (المسجد)، فالمسجد كان مكان عبادة، وملتقى الأخوة والمدرسة التعليمية وهو كذلك كان مقر القيادة منه تنطلق الجيوش وفيه تعقد اللقاءات الداخلية والخارجية (٢)، ومن النكت اللطيفة التي نبه إليها الإمام البخاري في صحيحه أنه عنون باباً (التعاون في بناء المسجد) (٣) فالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - بنى هو وأصحابه متعاونين هذه المؤسسة الضخمة، وفي هذا تأثير روحي كبير في نفوس المسلمين.

ثم جاء الهدف الثاني: (المؤاخاة): وهو هدف مهم جداً ذوب فيه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الاختلافات القبلية والنفسية بين المسلمين، فلا فرق بين أسود وأبيض، ولا غني أو فقير، فالميزان التقوى، فتقدمت رابطة الدين على رابطة الدم، وهذه الخطوة كانت هامة للغاية ولاسيما بين فئات مختلفة في أشياء كثيرة، ففيهم القرشي


(١) أخرجه البخاري (١٣٣٥)، ومسلم ١/ ٥١ (٢٠)،وغيرهما.
(٢) وللمزيد ينظر: دلائل النبوة للبيهقي ٢/ ٥٤٦،والسيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، أبو شهبة ٢/ ٣٠،،والرسول القائد محمود شيت خطاب ص٧٧.
(٣) كتاب الصلاة، أبواب المساجد باب (٣٠) ١/ ١٧١.

<<  <   >  >>