للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوسط، خير الأمم والشاهدة عليها، لذا فلزاماً علينا أنْ رسم الخطط، ونضع الرؤى والأهداف، ولزامناً على أفراد هذه الأمة ومن يحمل همومها أن يحركوا الماء الراكد، ولو بحجر صغير -كبحثنا هذا-.

فالتخطيط لرسم الأهداف هي المرحلة الأولى لبدء المشوار، وكل أمة لا ترسم أهدافاً جزئية آنية، وستراتيجية مستقبلية، هي أمة خاملة، ومن لم يكن له مشروع صار مشروعاً لغيره!

فرجعة إلى كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - لنتفحص الآيات والأحاديث بقرآءة جديدة، قراءة يملؤها الأمل، والطموح لنستخرج الدرر الكامنة فيهما، ونحول (المسطور) في كتاب ربنا وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى (منظور) في أرض الواقع، وهكذا حاولت في هذه الدراسة الموجزة أن نضع لنا بصمة في هذا الطريق الطويل عسى أن تكون الخطوة في الألف ميل.

وأقول بكل ثقة إنّ في كتاب ربنا وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - من القواعد والثوابت التي يزعم الغربيون وكثير من الشرقيين أنهم مَنْ سجّل السابقة في ذلك، والحقيقة الصارخة أنّ للإسلام قصب السبق في ذلك، كما تبين في طيات هذا البحث، فالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يخطط لأهدافه بأعلى مستويات التخطيط الدقيق، ووضع لنفسه أهدافاً قريبة، وأخرى بعيدة، ومن تأمل جيداً في سيرته - صلى الله عليه وسلم - يجد فيها أنواع فنون الإدارة، وأعلى مستويات القيادة، وأدق أنواع التخطيط ورسم الأهداف.

وحاولت في هذه الدراسة - المتواضعة - تسليط الضوء على جزيئة مهمة وهي (رسم الأهداف) من خلال الحديث النبوي، موضحاً ماهية الأهداف، ومواصفاتها الجيدة، والقواعد العامة لتحديدها، ومن هم الشركاء في صناعتها.

ومن أهم ما أنبه عليه ههنا: أنّ الأمثلة التي نذكرها ههنا هي ليست أمثلة جامدة في حقبة زمنية معينة، وليست خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بل هي دورس حيّة، سارية المفعول في كل زمان ومكان، وتخص كل أفراد الأمة، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} الأحزاب٢١.

والأمة مأمورة باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنته، قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} آل عمران٣١.

فهذا أمر من الله تعالى لنا باتباع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا أنْ نقلده، وبينهما فرق كبير، فالاتباع هو اللحاق بالأول بعلم وفهم (١)، بخلاف التقليد الذي يعني: متابعة الإنسان لغيره فيما يقوله أو يفعله من غير نظر وتأمل في الدليل، كأن المتبع جعل قول الغير أو فعله قلادة في عنقه (٢).


(١) ينظر: الوقوف على مهمات التعاريف ص٣٧.
(٢) المصدر نفسه ص١٠٦.

<<  <   >  >>