للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} الحجر٢٩.وحدد له وظيفته في هذا الكون، فقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات٥٦،وحدّد - صلى الله عليه وسلم - مضمونَ رسالته، والغايةَ منها، منذ أوّل يوم، إذ صعد على جبل الصفا في قلب مكة، فصدح بهدفه، فأخرج البخاري من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال:": لما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} الشعراء٢١٤. صعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على الصفا فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أنْ يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال - صلى الله عليه وسلم -:" أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلا بالوادي تريد أنْ تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ ". قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقاً. قال:" فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ". فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا، فنزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} المسد:١،٢ " (١).

فالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - جمع عشيرته وأقاربه على صعيد واحد، وحدد لهم الهدف الذي بعث من أجله، بكل وضوح ودقة وإيجاز، وكذا أخرج أحمد في مسنده من حديث أبي الزناد عن ربيعة بن عباد الديلي، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصر عيني بسوق ذي المجاز يقول:" يا أيها النّاس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا". ويدخل في فجاجها والنّاس متقصفون عليه، فما رأيت أحداً يقول شيئاً وهو لا يسكت، يقول:" أيها النّاس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا". إلاّ أنّ وراءه رجلاً أحول وضيء الوجه ذا غديرتين، يقول: إنّه صابئ كاذب. فقلت: من هذا؟ قالوا: محمد بن عبد الله، وهو يذكر النبوة قلت: من هذا الذي يكذبه؟ قالوا: عمه أبو لهب " (٢).

ومن الدقة العالية للأهداف النبوية أنه حدد مطلبه من قومه بكلمة واحدة: (لا إله إلا الله)، ولكنهم رفضوها، قال ابن عباس - رضي الله عنه -:مرض أبو طالب فجاءته قريش وجاءه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وعند أبي طالب مجلس رجل، فقام أبو جهل كى يمنعه، وشكوه إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي: ما تريد من قومك؟ قال: إني أريد منهم كلمة واحدة تدين لهم بها العرب، وتؤدى إليهم العجم الجزية". قال: كلمة واحدة! قال:" كلمة واحدة". قال:" يا عم قولوا لا إله إلا الله". فقالوا: إلها واحداً (ما سمعنا بهذا فى الملة الآخرة إنْ هذا إلا اختلاق). قال: فنزل فيهم القرآن: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ* بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} ص ١و٢ إلى قوله: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} ص ٧" (٣).

فالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - حدد هدفه (كلمة واحدة)،وأخبرهم بالنتائج المستقبلية التي خطط لها النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، تدين لهم العرب، وتؤدي العجم الجزية إليهم، وهذا بالتأكيد ناتج عن تخطيط نبوي على مستوى عالٍ، فكأني بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -


(١) أخرجه البخاري (٤٤٩٢)، ومسلم ١/ ١٩٢ (٢٠٤)،وغيرهما.
(٢) الحديث صحيح، أخرجه أحمد ٤/ ٣٤١.
(٣) أخرجه أحمد ١/ ٢٢٧،والترمذي (٣٢٣٢)، والنسائي في الكبرى (٨٧١٦)،وغيرهم

<<  <   >  >>