للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منه، كالطبيب الفاجر، يغشّ المريض ويماطل في العلاج، ابتغاء دوام الحاجة إليه، وتدفق المال عليه، بل ربما بالغ في الفجور فلم يمنعه علمه (إن لم يكن أميناً) أن يقتل المريض بالسم، بدلاً من شفائه بالدواء.

...

إن هذا العلم دين فعلينا أن ننظر عمّن نأخذ ديننا، وألّا نأخذ العلم إلا عن رجل نثق بدينه كما نثق بعلمه، ونطمئن إلى إيمانه كما نطمئن إلى منطقه، فإن لم يكن إلا العلم والمنطق، لم ينفعاه عند الله شيئاً.

وأنا لا أقيس الأزهر على الجامعات، فالجامعات فيها العلم والفن، وفيها الكفر والإلحاد، لا يمنع منه عندهم أنه كفر ما دام يسمى باسم الفلسفة أو العلم، ذلك لأن أسلوب الجامعات أسلوب عقلي لا يبالي بالدين، ولا يتقيد بالوحي؛ وديننا لا يعارض قضايا العقل المسلَّمة وأحكامه الثابتة، ولا ينافيها، ولكن أين هذه القضايا؟ وهل يكون منها كل حكم يوصل الباحث إليه عقله؟ ففيم إذن تختلف العقول، ويتناظر الفحول؟ أفنبني ديننا على آراء الرجال فكلما جاء واحد منهم ببدعة في الدين قلدناه فيها، وأقمناه بيننا وبين ربنا، وجعلنا ما جاء به من شرعنا؟ ومن يكون إمامنا في ديننا إذا لم يبق في الأزهر أئمة دين؟

ألا يكون ذلك تحقيقاً للحديث، ومعجزة للرسول عليه الصلاة والسلام، إذ قال: إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من صدور العلماء، ولكن يقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس أئمة جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا؟

نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى، والكفر بعد الإيمان

...

ألا إن ديننا يقوم على أدلة معروفة هي الكتاب والسنة الثابتة، والإجماع الصحيح والقياس الجلي، لا عمل للعقل فيها، إلا الاستنباط والاجتهاد، على (الأصول) المعروفة، والسبيل المسلوكة، واتباع البيضاء النقية، والاقتداء بالسلف الصالح، فإن جاوز هذا الحد، لم يجز لمسلم أن يعوّل في دينه عليه، أو يرجع في الحكم إليه.

<<  <   >  >>