للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتطلعون أبداً إلى الطرق من فرط تشوقهم للقاء هذا الخصم المغير، الذي كان بالأمس الحليف النصير! فإذا لم يروا أحداً رجعوا إلى مسالحهم يقظين مرتقبين. وكانت الحصون حول البلد وفي أطراف المملكة، محشوداً فيها الجند من كل كمي كأن قلبه من ثباته جلمد الصفا، وكان في أكبرها وأمنعها شبلا ذلك الأسد وفرعا تلك الدوحة الكريمة الباسقة، الراضي بالله والمعتد بالله، ولدا المعتمد بن عباد.

وكان عصر ذلك اليوم وأهل إشبيلية لا يزالون يتغنّون بمأثرة الملك الفارس، وقد فترت يقظة الجند حين توالى الأمان واطمأنوا إلى بعد العدو، فاستراحوا قليلاً بعد هذه الليلة الجاهدة. في تلك الساعة صرخ النذير كما يُنفَخ في الصور، فتجمع العسكر المكدود على عجل، وصدمتهم فرسان البربر من جهة البر ومن الوادي صدمة تحط الصخر من ذُراه، ولكنهم وجدوا المعتمد أثبت من الصخر وأيقظ من الصقر، فارتدوا بعدما فعلوا بالمدينة فعل الزلزال.

واستراحت إشبيلية أياماً، ثم جاء يوم الواقعة!

* * *

في يوم الأحد ٢٠ رجب سنة ٤٨٤هـ ارتجّت إشبيلية بأضخم جيش وطئ ثراها، جيش أمير المسلمين ابن تاشفين، الذي حشد له من غطارفة المرابطين كل بطل غَشَمْشَم (١)، يقوده ابن أخيه،


(١) الغَشَمْشَم والمِغْشَم هو الجريء الماضي الذي لا يثنيه شيء عما يريد (مجاهد).

<<  <   >  >>