للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاعترته هيبة شديدة وخاف من مواجهة الرجل الذي يحكم نصف الأرض، والذي لا يبلغ ملكُ شاهنشاه العظيم ولايةً واحدة من ولاياته يحكمها أمير من أمرائه ... وذكر كيف كانت تتصدع الأفئدة خوفاً من لقاء كسرى وتقف الملوك على بابه، وكيف كان يقتل على الظنّة، ويأمر بضرب عنق الرجل يقول كلمة لا تعجبه أو يأتيه في ساعة يكون فيها لَقِسَ النفس (١) ضيق الصدر. وتلمّس عنقه وتخيله من الفزع مضروباً! وتصور رأسه طائراً عن جسده فطارت معه حماسته وشجاعته، وكره لقاء الخليفة وفكر في العودة إلى بلده سالماً قبل أن يحيق به مصاب لا ينفعه معه مجد يناله، ولا وطن يحرره، ولا كاهن يرضيه.

وغرق في مخاوفه وأفكاره، وجعل يسير على غير هدى، وكلما مرَّ على قصر من قصور دمشق ورأى بهاءه وعظمته ظنه قصر الخليفة فخفق قلبه واضطرب. حتى رأى قصراً ما له في جلاله نظير، له باب هائل، عرضه مثل الشارع العظيم، له قوس مُشْمَخِرّة عالية ذات مقرنصات (٢) ونقوش قائمه على أسطوانتين من المرمر الصافي، ورأى الناس يدخلون ويخرجون لا يسأل أحد أحداً ولا يمنعه حاجب ولا بواب، فأيقن أنه قصر الخليفة.


(١) لَقِسَتْ نفس فلان: ضاقت وخبثت ونازعت صاحبها إلى الشر (مجاهد).
(٢) اشْمَخَرَّ: اشتد ارتفاعه، فهو مُشْمَخِرٌّ (ومنه الشَّمْخَريرة، وهي الكبر). والمقرنصات هي ما يبرز من أسقف البيوت أو يخرج منها للزينة بتدريج مناسب (مجاهد).

<<  <   >  >>