للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسار نبي الله - صلى الله عليه وسلم - في جمع من ثلاثين ألفا إلى تبوك. واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة (١)، وعهد إلى علي بن أبي طالب (٢) القيام على أمور أهل بيته.

وكان الجيش يعاني من قلة في وسائل النقل حتى أن ثمانية عشر شخصا كانوا يتناوبون بعيرا واحدا، ولقلة المؤن والأطعمة اضطروا لأكل أوراق الأشجار فتورمت شفاههم، ولم يجدوا ماء في بعض الأماكن التي نزلوا فيها فاضطروا إلى ذبح الإبل الخاصة بالركوب فكانوا يشربون من ماء الأمعاء (٣).

وهكذا تحملوا جميع المتاعب بصبر وثبات حتى وصلوا إلى تبوك.

ولم يكد جيش المسلمين يصل إلى تبوك حتى لحق بهم علي بن أبي طالب وراح المنافقون فيما بعد يغيظون عليا رضي الله عنه ويقولون إنما تركه النبي لأنه استثقله فأراد أن يتخفف منه، فأخذته رضي الله عنه الغيرة فانطلق حتى وصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن تحمل مشقة السفر الطويل وتورمت قدماه - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: أفلا ترضى أنك مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي" (٤) سمع علي المرتضى هذا فرجع إلى المدينة فرحا مسرورا.

وفي تبوك أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - شهرا، وقد أحدثت هذه الخطوة أثرها على أهل الشام. فتخلوا عن فكرة الهجوم على العرب ورأوا أن أحسن وأفضل وقت لذلك بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وفي تبوك (٥) ألقى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد صلاة الفجر خطبة وجيزة بليغة ويمكن أن نقسمها


(١) الطبري ٣/ ١٠٣ ويقال محمد بن مسلمة الأنصاري.
(٢) البخاري ومسلم.
(٣) مدارج النبوة.
(٤) صحيح البخاري عن مصعب بن سعد عن أبيه، باب غزوة تبوك، كان موسى عليه السلام قد استخلف هارون على بني إسرائيل وحين أتم ميقات ربه أربعين يوما في جبل الطور، وقد وردت هذه الواقعة في القرآن الكريم بالتفصيل، والنبي الذي استخلفه موسى بعد وفاته هو يوشع بن النون.
(٥) كانت كنيسة فيلاديلفيا القديمة التي ورد ذكرها في رؤيا يوحنا (الأصحاح ٣/ ٧ - ١٣) مجاورة لتبوك، وكان العرب يسمونها القصر، وقد عثر على أنقاضها في طريق سكة حديد الحجاز، ويذكر أن النصارى في العصر النبوي سكنوا هذه المنطقة ولهذا فقد نشر الإسلام فيهم أثناء قيام المسلمين في تبوك كما أبرمت معهم معاهدات، وكان لمن بقي منهم على النصرانية حريته الدينية، وكان =

<<  <   >  >>