للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعبد الله بن شرحبيل، وجبار بن فيض الحارثي فيأتوهم بتفصيل الأخبار.

وصل هؤلاء الناس إلى المدينة، وبقوا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة أيام، سألوه ماذا يقول في عيسى عليه السلام فنزلت الآيات الكريمة:

{إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من المترين فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين} (آل عمران: ٥٩ - ٦١).

وقد نادى النبي - صلى الله عليه وسلم - الحسن والحسين بعد نزول هذه الآيات وفاطمة سيدة نساء العالمين تمشي عند ظهره وذلك للمباهلة (١) (...).

فانتحى النصارى جانبا للتشاور، وقال شرحبيل لصاحبيه: ليس من السهل اتخاذ أي رأي في هذا الشخص، ولو اجتمع الوادي أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأيي، فإن كان هذا الرجل ملكا فلا تصح مباهلته .. ولو كان نبيا مرسلا فلاعناه فلا يبقى على وجه الأرض منا شعرة ولا ظفر إلا هلك، ولهذا أرى أن نقبل حكمه ونترك له تحديد مبلغ الجزية. واتفق صاحباه معه في الرأي فلقي شرحبيل رسول الله وأخبره بأنه من الأفضل أن يحكم النبي فيهم بحكم آخر خير من المباهلة في الصباح.

وفي اليوم التالي ضرب عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الجزية وكتب لهم في المعاهدة التي خطها المغيرة وشهد عليها من الصحابة أبو سفيان بن حرب وغيلان بن عمرو ومالك بن عوف


(١) من تعاليم النصارى وأقوالهم أنه ينبغي الإيمان بالتثليث دون دليل إلا أن القرآن الكريم ذكر الدليل الأول وهو أنه لو كان عيسى ولد بلا أب فلا يعني هذا أنه إله أو ابن الله، ولننظر أمر آدم فقد ولد دون أب ودون أم، ولما كان من المؤكد أن هذا الدليل لن يجدي، فقد أظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - جانبا طريفا للبحث وهو دعاء الله تعالى أن يصيب الكاذب بلعنته، فلو كان المسيح إلها أو ابن الله فلا بد أنه سيدافع عن هؤلاء الناس الذين يوضحون للناس منزلته، ولو كان هذا خطأ فإن الله تعالى سيصدر حكمه، وقد دعا - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه المباهلة فقط لإثبات التوحيد ودعمه حين أغلق باب الاستدلال، فلا يجب أن نلجأ إلى المباهلة لحل الخلافات البسيطة.
(...) وتذكر الروايات الأخرى وجود علي رضي الله عنه، وكان الغرض من هذا إخبار النصارى الاستعداد للمباهلة على الفور مع أن أولاد النصارى وزوجاتهم لم يكونوا معهم في المدينة في ذلك الوقت.

<<  <   >  >>