للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقامت قريش (في معسكر المسلمين) بربط يديه وقيدوا رجليه وسحبوه إلى مكة، وعندئذ لم يزد النبي عن قوله له: يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا (١).

وقد تحمس المسلمون وغضبوا بعد رؤيتهم لمذلة أبي جندل وظلم قريش، إلا أنهم صبروا لأن هذا كان حكما من النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ولم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - قائما في الحديبية حتى نزل ثمانون رجلا من جبل التنعيم مع صلاة الفجر والمسلمون منصرفون إلى صلاتهم، وقد جاء هؤلاء الرجال ينوون قتل المسلمين أثناء الصلاة فتم القبض عليهم جميعا، وقد عفا عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - رحمة وشفقة، ونزلت هذه الآية الكريمة عن هذه الواقعة:

{وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} (سورة الفتح: ٢٤).

وخلاصة القول أن هذا السفر كان سفر خير وبركة، فقد أظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - في معاهدته مع الأعداء كرما وعفوا، وبعد نظر كما كان في عفوه عن الأعداء الذين أرادوا قتله رحيما شفوقا.

رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وبعد هذه المعاهدة نزلت سورة الفتح، فسأل عمر الفاروق: أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو فتح هو؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - نعم إنه لفتح (٢).

وصل أبو جندل إلى سجن مكة، وبدأ يدعو إلى دين الحق، فكان يذكر محاسن التوحيد لكل من يتناول على حراسته، ويبين له عظمة الله وجلاله ويدعوه إلى الإيمان، وبتوفيق من الله نجح أبو جندل في هدفه وفي سعيه الصادق، فأسلم من دعاهم إلى الإسلام.

وهكذا كان من نتيجة حبس أبي جندل في مكة إسلام ما يقرب من ثلاثمائة شخص في سنة واحدة.

عندئذ شعرت قريش بالندم لأنهم اشترطوا في المعاهدة رد المؤمنين إليهم، ثم


(١) البخاري باب الشروط في الجهاد عن أبي وائل ٣/ ١٧٨، وابن هشام ٢/ ٣١٨، ٣٢٣.
(٢) صحيح البخاري عن أبي وائل (٣/ ١٧٨).

<<  <   >  >>