للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحمل طبقا به عنب إلى رسول الله، فوضع الغلام العنب أمام النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمد النبي يده إلى العنب وهو يقول: "بسم الله" ثم أكل.

فنظر عداس (وكان نصرانيا) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في حيرة ثم قال: "هذا كلام لا يقوله أهل هذه البلدة - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أي بلاد أنت وما دينك؟ " فقال عداس: "أنا نصراني من سكان نينوى" فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟ " - فقال عداس: "وما يدريك عن يونس بن متى؟ - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ذاك أخي، كان نبيا، وأنا نبي" فانتفض عداس وراح يقبل رأسه ويديه ورجليه، فرأى عقبة بن شيبة غلامه من بعيد يفعل ما يفعله فقال لأخيه: "لقد فسد الغلام" وحين رجع إليهما عداس، قالا له: ماذا أصابك ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟

قال عداس: يا سيدي لا يوجد على وجه الأرض خير من هذا الرجل، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي" - فقالا: ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه" (١).

وقد واجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ضربات في هذه المنطقة وهو يعظ الناس حتى أنه أغمي عليه وسقط على الأرض فحمله زيد على ظهره، وذهب به خارج العمران، فأفاق - صلى الله عليه وسلم - بعد أن نضح عليه الماء.

ومع ما كابده الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا السفر من أذى وألم، فقد كان ما آلمه أكثر هو ألا يسلم أحد ممن دعاهم، ولكن قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مملوءا بحب الله وعظمته، فدعا الله بالكلمات التالية:

«اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني إلى بعيد (٢) يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك» (٣).


(١) انظر تاريخ الطبري مجلد ٢ [ص:٢٢٩].
(٢) الطبري ٢/ ٢٣٠. هكذا ذكر الطبري كلمة بعيد ومعناها غريب وذكر ابن هشام وابن الأثير لفظ محمد ولعلها تعني صديق.
(٣) نفس المصدر.

<<  <   >  >>