للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو كلف هؤلاء الأدباء بكتابة قواعد وأصول قانونية أو كتابة سطور في بيان حقائق الإلهيات وأسرار الطبيعة والكون، لأدرك العالم مدى ركاكة أسلوبهم وسماجته وتفكك العبارات وابتذال الألفاظ في كتاباتهم.

ولكن إعجاز القرآن الكريم أنه يسوق الآيات حول أحكام الشريعة والمواعظ والأمثال والأخبار والإنذار وقصص الماضي وأحوال المستقبل، ومع ذلك يظل الكلام على مستوى درجة الصدق والروحانية، ولا يبتعد عن أساس الفصاحة والبلاغة.

ج - ولابد أن نتذكر أن هناك اختلافا في مجالات الأدب وميادين البيان بين أدباء العالم المعترف بهم وذلك فيما يتعلق بتقييم الفصاحة والبلاغة فنصائح سعدي تشق سبيلها إلى أعماق القلب، ولكنه لا يستطيع أن يفرش بساط المتعة ويفتح أبواب الوصال، وقارئ ملحمة فردوسي يتخيل أنه يشاهد رواية، إلا أن قلم الفردوسي السيال يتعرج في طريق المواعظ والأخلاق، وهكذا حال شعراء وأدباء العرب: امرئ القيس وعنترة وأبي نواس وأبي العتاهية، ونفس هذا التفاوت يوجد لدى أدباء ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وانجلترا من الشعراء والروائيين والمحررين واللغويين والمدرسين والمحاضرين.

إن ((رينالد)) لا يمكن أن يحل أبدا محل ((غبن)) وإن ((كار لايل)) لن يتحول إلى شكسبير، ولن يكون لكل من هربرت سبنسر ونارث بروك أسلوبا واحدا أو لغة متشابهة.

اقرأوا القرآن الكريم، إنه يستخدم الأدلة الساطعة والبراهين الواضحة عن الموجودات والماهيات والكيفيات، ويلقي ضوءا على رقي الأمم السابقة وانحطاطها وأسبابهما، ويتكلم عن المذاهب والأديان وعقائد الإنسان ومسلماته، ويكشف أسرار الروح والمادة والأعمال.

ويضع قوانين ومبادئ التدبير المنزلي وسياسة المدن وحقوق الأفراد وواجبات الأمم، وتطلب ذلك أقسام البيان المختلفة وأساليب الكلام المتنوعة، ولكن القرآن الكريم يحافظ في كل ذلك على جزالة الكلام وحسن المعاني وبهاء الألفاظ، كما كان شأنه في تقرير التوحيد ورد الشرك وإبطال الباطل وإحقاق الحق. ومواقع الكلام هذه لا يدركها إلا من أفنى عمره الطويل في التطلع إلى الفهم والتوصل إلى التذوق.

د - إن للفصاحة والبلاغة علاقة بجزالة الألفاظ ورشاقة المعاني، ونسوق هنا آيات

<<  <   >  >>