للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التاريخ وعلل الوقائع.

وقد استوفينا مبحث الغزوات والسرايا في الوسط من هذا الكتاب، وأوضحنا أن غزوات النبي (ص) كانت من الأمة والأسرة التي كان ينتمي إليها النبي (ص) والسابقون الأولون من المسلمين. وقد بالغت أمة النبي (ص) في عداء الإسلام ومحاربته، فوقعت الحروب، ومثل هذا الجدال العائلي لا يمكن أن يكون دليلا على التعصب الديني.

وأود هنا أن أصرح بأن حروب الإسلام لم تكن لنشر تعاليم الإسلام ولا لإكراه الأديان الأخرى، وقد ذكر القرآن الكريم علة الحروب الإسلامية فقال:

{ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} (الحج: ٤٠).

وصوامع جميع صومعة وهي في اللغة المبنى الذي يكون مدببا في أعلاه، وكانت خلوات رهبان النصارى على هذه الصورة، وكذلك كانت معابد الهنادكة التي يطلق عليها اسم (مندر) وبيع جمع بيعة وهي كنيسة النصارى، وصلوات معربة صلوة بالعبرية، أي معابد اليهود، والمساجد هي معابد المسلمين المؤمنين.

والآية المذكورة تدل على أن المسلمين أذن لهم بالقتال لتأمين حريات الأديان جميعا، وليقضوا على الفساد، حتى لا تهدم معابد النصارى واليهود والمجوس ومساجد المسلمين.

وطالب التاريخ المبتدئ يعلم أن الفرس حين سيطروا على آسيا الصغرى في عهد برويز هدموا كنائس النصارى، وبعد عشر سنوات تحقق الانتصار للنصارى فأفنوا معابد المجوس (١). وصوامع اليهود كلها هدمت على أيدي الملوك الروم ظلما وتعصبا، حتى إن أرض أورشليم التي هدم بناءها ملك الروم يزدن عام ٨٠ م، قد جعلت مزبلة بأمر من والدة الملك قسطنطين أول ملك نصراني. أما مساجد المسلمين فلم تكن في أمن من هؤلاء لأنهم كانوا جميعا مجوس ونصارى يحملون العداء الشديد للمسلمين.

أقام الله تعالى المسلمين، وحملهم مسؤولية الحفاظ على معابد العالم فأدوا هذه المسؤولية على أحسن طريق، والآية المذكورة تضمنت تنبؤا أيضا، وهو أن حروب


(١) ابن خلدون ٢٢٣/ ٣، تفسير ابن كثير ٥/ ٣٤١ وما بعد.

<<  <   >  >>