للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجدير بالذكر هنا أن كل واحد من المجاهدين كان يفدي رسول الله (ص) بنفسه وماله ويرى ذلك كرامة وشرفا له، فكيف كانوا يتحملون أن يمشي رسول الله (ص) على رجليه ويركب غيره إذا جاءت نوبته؟ والجواب أن رسول الله (ص) كان يريد في هذا الموقف الحرج أن يعلم الناس درس المساواة بعمله، وكان بذلك قد تحقق معنى الأمر فوق الأدب ولو لم يكن تعليم النبي هذا لما سجل لنا التاريخ قصة عمر مع غلامه.

ويتعرض التزام مبدأ المساواة لأقسى صور الاختبار حينما يطالب رجل ذو حسب ونسب بتزويج بنته مع رجل أقل منه في النسب. ونجد في تاريخ الإسلام وقائع كثيرة لكسر حواجز النسب، فقد زوج النبي (ص) بنت عمته وهي زينب بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة وهو عبد اشتراه حكيم بن حزام ابن أخت خديجة الكبرى من سوق عكاظ (١)، وتزوج أبو حذيفة غلام سالم فاطمة بنت الوليد بن عتبة القرشية، وهي امرأة بارزة من قريش وقد هاجرت (٢). وهذان مثالان لنساء قريش، ولننظر الآن إلى أهل المدينة كان الأنصار يشددون في تزويج بناتهم، فقد رغب سيد قريش هاشم بن عبد مناف، وهو الذي اعترف العرب كلهم بعلو شأنه، رغب أن يتزوج ليلى فقبلت أسرتها ذلك شريطة ألا تذهب إلى مكة (٣) , وكان من حال هذه القبيلة الأبية في الإسلام أن بلالا أعلن يوما في المسجد قائلا: أيها الناس: إني عبد حبشي فقير، وإني في حاجة إلى

الزواج، فهل يزوج أحد بنته؟ وبمجرد أن سمع الناس هذا الطلب عرض عشرات منهم أن يقبل بلال مصاهرتهم (٤).

كان أسامة بن زيد عبدا وابن عبد، ولكن الإسلام رفع شأنه حتى صارت زينب بنت حنظلة زوجته، وكانت زينب هذه من أسرة كريمة عظيمة وكان امرؤ القيس الشاعر المشهور ممن مدحوا جدها، في الإسلام اعتزت حفيدته بخدمة أسامة (٥).

ووقع لعلي في خلافته أنه أعطى غلامه دراهم يشتري بها ثوبين متفاوتي القيمة له


(١) تفسير الطبري ٩/ ٢٢.
(٢) الاستعياب ٢/ ٥٦٨.
(٣) ذكر ابن سعد هذا الزواج في طبقاته ١/ ٧٩ واسم المرأة فيه سلمى، وليس ليلى، وكذا لم يورد شرط عدم ذهابها إلى مكة.
(٤) ابن سعد ٣/ ٢٣٧.
(٥) ابن سعد ٤/ ٧٢.

<<  <   >  >>