للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أيها المغرور! أبلغَ من قدرك أن تصنف، وأنت ... وأنت ... ثم أخذ الرسالة فسجر بها المدفأة .. فكانت هي أول مصنفات العلَّامة البخاري وآخرها!

وقد وقع لي أني كنت في المدرسة وكنت أحاول أن أنظم الشعر، فآخذ أبياتاً قديمة فأغير قوافيها، وأبدل كلماتها، وأدَّعيها لنفسي، كما يفعل اليوم بعض الأدباء «التراجمة» حين يترجمون الكلمة الإنكليزية أو الفرنسية حتى إذا بلغوا التوقيع ترجموه هو أيضاً، فكانت ترجمة اسم المؤلف أو الكاتب اسم الترجمان أو «السارق»! وكان الكتاب أو الفصل المترجم من وضع أديبنا البارع ...

كنت أنظم أبياتاً من الشعر أو أسرقها، كما ينظم كل مبتدئ ويسرق، حتى إذا اجتمع عندي كثير من القطع، عرضته على أستاذ العربية، وكان لسوء الحظ تركياً يسمَّى إسماعيل حقي أفندي، يعلمنا النحو العربي باللسان التركي! فلما قرأه سخر مني وسبني وتهكَّم عليَّ، وجاء من بعدُ أخي أنور العطار - فنظم كما كنت أنظم حتى إذا اجتمع عنده كثير من القطع، عرضه على الأستاذ كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي، فأقام له حفلة تكريمية!.

فكانت النتيجة أني عجزت عن الشعر، حتى لَنَقْلُ البحر بفمي أهون عليَّ من نظم خمسة أبيات، وأن أخي أنور العطار غدا شاعر الشباب السوري، وسيغدو شاعر شباب العرب!

وأول من سنَّ سنة التشجيع في بلدنا هو العلامة المرحوم مربي الجيل الشيخ طاهر الجزائري، الفيلسوف المؤرِّخ الجدلي، الذي من آثاره المدارس الابتدائية النظامية في الشام، والمكتبة الظاهرية، والأستاذ محمد كرد علي بك، وخالي الأستاذ محب الدين الخطيب ... ومما كتب في ذم التثبيط:

«... وقد عجبت من أولئك الذين يسعون في تثبيط الهمم، في هذا الوقت الذي يتنبَّه فيه الغافل ...

وكان الأجدر بهم أن يشفقوا على أنفسهم ويشتغلوا بما يعود عليهم وعلى غيرهم بالنفع، ولم يُرَ أحد من المثبطين قديماً أو حديثاً أتى بأمر مهم، فينبغي

<<  <   >  >>