للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

سبيلاً إلى النشر ضعفت همته، وانكسر نشاطه، ولم يجد حافزاً إلى العمل، لأن فقد عنصر النشر من أكبر الأسباب في هذا الركود الأدبي .. وهذا صحيح لا غبار عليه.

وليس في دمشق مجلَّات أدبية، إلا مجلة صغيرة اسمها (الطليعة) يصدرها نفر من الشباب المثقفين الذين يحملون الشهادات العالية من أكبر معاهد أوروبا، ولكن لها منحى خاصاً لا يرضى عنه الناس كلهم، وهي تمشي بخطى مضطربة. وربما اضطر أصحابها إلى إغلاقها كما اضطر من قبل أصحاب (الثقافة) إلى إغلاقها، برغم أن أصحابها من أدبائنا ومفكرينا، وهم: خليل مردم بك وجميل صليبا وكاظم الداغستاني؛ ثم إن الجرائد اليومية لا تعنى بالأدب، ولا تخصص له صفحات دائمة تنفق عليها بسخاء، وإن هذه الصفحات الأدبية التي تزين بها صدور بعض جرائدنا اليومية صفحات فارغة، لا أظن أن أحداً له صلة بالذوق الأدبي يرضى عنها، وما أظن أن أصحاب الجرائد والقائمين عليها يرضون عنها، أو يجدون فيها وفاء مما يؤملون. وإذا ألَّف الأديب كتاباً أو قصة لم يجد الناشر، وإذا أنفق عليها من ماله لم يشترها أحد، لأن دمشق بلد تقرأ كثيراً ولكنها لا تشتري؛ وهذه مجلة (الرسالة)، لا تجد في دمشق أديباً أو متأدِّباً إلا اعترف لك بأنها خير مجلة أخرجت للناس، وأن العالم العربي لم يعرف مجلة مثلها منذ أنشئت أول مطبعة في مصر، ولا تجد أديباً أو متأدباً إلا وهو ينتظر يوم الثلاثاء ليقرأ الرسالة، وبعد ذلك كله يباع من أعداد الرسالة في دمشق كلها أقل من خمسمئة عدد ...

هذه حجَّة الأدباء في تقاعسهم عن النشر، وهي كما ترى حجة مقبولة، ولكنك إذا سألت القراء لم لا يشترون، احتجوا بأن الأدباء لا ينشرون، وإن تقاعسهم وكسلهم علم القراء الزهد في الآثار القيمة والانصراف عن شرائها، وأنه لا بد من أن يضحِّي الأدباء بقسط من أموالهم وشهرتهم حتى يستعيدوا القراء الذين فقدوهم. على أن الذنب في رأيي ذنب المدارس والمدرِّسين، لا ذنب الأدباء ولا ذنب القراء، فليس في الشام اليوم من دروس الأدب إلا هذا المقدار القليل الذي يتعلمه الطالب في مقرَّر البكالوريا. وهذا المقدار لا يُحق

<<  <   >  >>