للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شعوراً نبيلاً؟ إنما يقبح إذا اشتمل على الباطل، كما يقبح كل كلام يشتمل عليه.

ومن أين عرفت أن العلماء قد ترفَّعوا عنه، والكتب مملوءة بالجيِّد من أشعارهم، في الحب والغزل ووصف النساء؟

أو ما سمعت بأن النبي صلى الله عليه وسلم أصغى إلى كعب وهو يهدر في قصيدته التي يتغزل فيها بسعاد ... ويصفها بما لو ألقي عليك مثله لتورَّعت عن سماعه .. وتصاممت عنه، وحسبت أن التقى يمنعك منه وذهبت تلوم عليه، وتنصح بالإقلاع عنه قائله:

وما سعاد غداة البين إذ برزت ... إلا أغنُّ غضيض الطرف مكحول

تجلو عوارض ذي ظَلم إذا ابتسمت ... كأنها مَنْهل بالراح معلول

هيفاء مُقبلةً عجزاء مُدبرةً ... لا يشتكى قصر منها ولا طول

وأن عمر كان يتمثَّل بما تكره أنت .. من الشعر، وأن ابن عباس كان يصغي إلى إمام الغَزِلين عمر بن أبي ربيعة، ويروي شعره؟ وأن الحسن البصري كان يستشهد في مجلس وعظه، بقول الشاعر:

اليوم عندك دَلها وحديثها ... وغداً لغيرك كفها والمعصم

وأن سعيد بن المسبِّب سمع مغنياً يغني:

تضوَّع مسكاً بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة خفرات

فضرب برجله وقال: هذا والله مما يلذ استماعه، ثم قال:

وليست كأخرى أوسعت جيب درعها ... وأبدت بنان الكف للجمرات

وعالت فتات المسك وحْفاً مُرَحَّلاً ... على مثل بدر لاح في الظلمات

وقامت تراءى يوم جُمَع (١) فأفتنت ... برؤيتها من راح من عرفات

فكانوا يرَون هذا الشعر لسعيد بن المسيِّب!


(١) جُمَع: مزدلفة.

<<  <   >  >>