للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من عبيد الله لو كان حياً، أحب إلي من الدنيا وما فيها. وإني لأشتري ليلة من ليالي عبيد الله بألف دينار من بيت المال، فقالوا: يا أمير المؤمنين، تقول هذا مع شدة تحرِّيك وشدة تحفُّظك؟ قال: أين يُذهب بكم؟ والله إني لأعود برأيه ونصيحته ومشورته على بيت المال بألوف وألوف. وكان الزهري يقول: سمعت من العلم شيئاً كثيراً، فظننت أني اكتفيت حتى لقيت عبيد الله فإذا كأني ليس في يدي شيء!

وهو مع ذلك الشاعر الغزِل الذي يقول:

شققت القلب ثم ذررت فيه ... هواك فليم فالتأم الفُطور

تغلغل حب عثمة في فؤادي ... فباديه مع الخافي يسير

تغلغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يبلغ سرور

أفسمعت بأعمق من هذا الحب وأعلق منه بالقلب؟ ولم يكن يخفي ما في قلبه، بل كان إذا لقيه ابن المسيب فسأله: أأنت الفقيه الشاعر؟ يقول: «لا بد للمصدور من أن ينفث» فلا ينكر عليه ابن المسيب. وهو القائل:

كتمتَ الهوى حتى أضرَّ بك الكتم ... ولامك أقوام ولومهم ظلم

ونمَّ عليك الكاشحون وقبلهم ... عليك الهوى قد نم لو نفع النم

وزادك إغراء بها طول بخلها ... عليك وأبلى لحم أعظمك الهم

فأصبحت كالنهدي إذ مات حسرة ... على إثر هند أو كمن سقي السم (١)

ألا من لنفس لا تموت فينقضي ... شقاها ولا تحيا حياة لها طعم

تجنبت إتيان الحبيب تأثماً ... ألا إن هجران الحبيب هو الإثم

فذق هجرها إن كنت تزعم أنه ... رشاد ألا يا ربما كذب الزعم

ألا إن هذا هو الشعري.


(١) قال البكري في اللآلئ: هذا من المقلوب كخرق الثوب المسمار، وترجمة النهدي هذا في الأغاني جزء (١٩).

<<  <   >  >>