للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذلك قال المحقق أحمد شاكر في تعليقه على " المسند ": " في إسناده نظر ".

ثم إن الآية المتقدمة (وأيده بجنود لم تروها) (التوبة: ٤٠) فيها ما يؤكد ضعف الحديث، لأنها صريحة بأن النصر والتأييد إنما كان بجنود لا ترى، والحديث يثبت أن نصره -صلى الله عليه وسلم- كان بالعنكبوت، وهو مما يرى، فتأمل.

والأشبه بالآية أن الجنود فيها إنما هم الملائكة، وليس العنكبوت ولا الحمامتين، ولذلك قال البغوي في " تفسيره " (٤/ ١٧٤) للآية: " وهم الملائكة نزلوا يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته ").

قال الشيخ محمد بن عبدالله العوشن (١): (ولهذا لم يعرِّج أكثر أئمة التفسير إلى ذكر هذه الأحاديث عند تفسيرهم للآيات السابقة من سورة يّس، مع عنايتهم بذكر سبب النزول، كالطبري، والقرطبي، وابن الجوزي، والزمخشري، وأوردها ابن كثير نقلًا عن ابن إسحاق، بل ذكر أكثرهم سببًا آخر للنزول لم يثبت هو الآخر.

واعلم أن في قصة الهجرة تساؤلات كثيرة، ففي صحيح البخاري في حديث الهجرة عن عائشة - رضي الله عنها-: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، وهي ساعة لم يكن يأتيه فيها، وأخبره بأنه قد أُذن له في الخروج، قالت: فجهزناهما أحثَّ الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب … ثم لحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر بغارٍ في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال " (٢). فمتى حاصر المشركون بيته؟ -على القول بصحة القصة- هل كان قبل ذهابه إلى بيت أبى بكر؟ فأين قضى-صلى الله عليه وسلم- هذا الوقت الذي استغرق ليلة ونصف نهار قبل أن يذهب إلى بيت صاحبه الصديق - رضي الله عنه -؟ أو كان بعد عودته من بيت أبي بكر وإخباره له بالهجرة؟ وهذا لا يستقيم مع رواية البخاري، فإن ظاهرها أن التوجه إلى الغار كان من بيت أبي بكر … ).


(١) ما شاع ولم يثبت في السيرة (٦٥ - ٦٦).
(٢) صحيح البخاري (ح: ٣٩٠٥).

<<  <   >  >>