للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هنا أبدأ موقف المسلمين وصبرهم. فمن خلال العقيدة نجد مفهوم الأجر والثواب يوم القيامة، ونعيم الجنة بعدها كفيلين باستمرار المسلمين على خطهم وثباتهم على محنتهم وابتلائهم. لكن الأمر يختلف تمام الاختلاف بالنسبة للمشركين. فلا بد أن يتساءلوا فيما بينهم. فيم نلقى هذا العذاب؟ وفيم نلقى هذه الإهانة؟ وهذا الجوع والتشرد والخنق؟ والجواب واضح. فالأمر كله من أجل محمد بن عبد الله؟!!

لكن التساؤلات الأكثر حرجا ودقة هي: لم لا يرجع محمد عن دينه طالما أن هذا الدين باطل؟!! أو نبقى نسانده وهو يهاجم معتقداتنا، ويسفه أحلامنا، ويسب آلهتنا؟!! وخطر مثل هذه التساؤلات كبير. وأي تفكير سياسي وميزان مصلحي لا يقر أبدا إمكانية استمرار هذين البطنين على هذا الموقف، عندما تنهار مصلحة هذين البطنين. فهل يمكن للقيم الجاهلية أن تثبت أمام ضرب مصالحها بله الإجهاض عليها؟!! لقد أصبحت مكة كلها في خطر مما أدى إلى انقسام مكة إلى معسكرين كبيرين المعسكر الأول يضم المسلمين وبني هاشم وبني المطلب مسلمهم ومشركهم، والمعسكر الثاني يضم المشركين من بقية البطون القرشية. ولا شك أن نظافة الشخصيات الإسلامية، ومركزها المرموق في قبيلتها هما اللذان دفعا لهذا الموقف ولو لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أعلى مستوى من التقدير والاحترام والتعظيم، لما غامر البطنان الكبيران بنو هاشم وبنو المطلب في خوض حرب من أجله. ولقد مثل هذه الصورة لامية أبي طالب الرائعة التي يقول فيها بعد هذا الحدث:

ولما رأيت القوم لا ود فيهم ... وقد قطعوا كل العرى والوسائل

وقد حالفوا قوما علينا أضنة ... يعضون غيظا خلفنا بالأنامل

صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة ... وأبيض عقب من تراث المقاول (١)

وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي ... وأمسكت من أثوابه بالوصائل (٢)

ثم يقسم بالإيمان المغلظة بالله والبيت، والحجر الأسود، ومقام إبراهيم،


(١) كناية عن السيف.
(٢) المقصود أثواب الكعبة وكانت ثيابا حمرا فيها خطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>