للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوجد الأرضة قد أكلتها إلا باسمك اللهم وما كان فيها من اسم الله فلا تأكله (١).

لقد كان للصمود الإسلامى ثم الصمود القبلي أثر على معسكر الجاهلية والشرك يفوق أثر معركة حامية الوطيس يخوضها المسلمون فينتصرون بها على أعدائهم. وكان هذا الصمود كافيا لتفجير الموقف في مكة. فقد حرك هذا الصمود كل مشاعر الخير الكامنة في صفوف أهلها. لقد تحركت مشاعر القرابة واستنفدت كلها من قبل أصدقاء وأقرباء بني هاشم وبني المطلب. ولم يكتف هؤلاء عند المواقف السلبية، ولم يكتف هؤلاء عند المشاركة الشعورية بل استعد هؤلاء ليقوموا بتحرك إيجابي يعرض حياتهم للخطر، وأن يجابهوا الرأي العام كله بكل ما تحمل هذه المواجهة من مخاطر ومحاذير. واستطاعت هذه العصابة بوحدة كلمتها واستعدادها للفداء أن تغير موقف مكة كلها وتكسر طوق الحصار الاقتصادي وتحطم القيود الاجتماعية، وتعيد الحقوق المغتصبة إلى أصحابها، وتلغي الظلم القائم على المسلمين.

والحركة الإسلامية تحتاج في مسارها الطويل إلى فن التعامل مع الجاهلية، بحيث تنتزع منها كل من يمكن أن يساندها وتستفيد من كل من يدعمها ويحفظ لها حريتها، وتستغل كل عناصر الخلاف في صفوف هذه الجاهلية، ولا يتعارض هذا أبدا مع تميزها ومع المفاصلة بينها وبين الحكم الكافر. بل نجد هنا أن المصلحة للحركة الإسلامية هو تحطيم هذه المفاصلة. فليس التفاصل إذن دائما لمصلحة الدعوة والحركة. بل وجدنا الحالة في هذه المرحلة هي القضاء على المفاصلة الاجتماعية. وما فرح المسلمون شيئا فرحهم بالقضاء على هذا الحلف الباغي الظالم. فلقد كان رئيس بني هاشم في مكة يناقشهم في الصحيفة مما يدل على وعيهم لتطورات الموقف. ونرى يقظة هذا المعسكر في الرواية التي روتها السيرة عن الزهري رحمه الله لدى موسى بن عقبة: (إن الله أطلع رسوله على الذي صنع بصحيفتهم فذكر ذلك لعمه فقال: لا والثواقب ما كذبتني فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطلب حتى


(١) السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>