للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أدنى الأرض، وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله - صلى الله عليه وسلم -نصر من يشاء وهو العزيز الرحيم (١)}.

والجانب الثاني كان من الناحية العملية مع وفد النصارى الذي حضر إلى مكة كما ذكر خبره ابن إسحاق: (ثم قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة عشرون رجلا أو قريبا من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة، فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه فكلموه وسألوه، ورجال من قريش في انديتهم حول الكعبة. فلما فرغوا من مسألة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما أرادوا دعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتلا عليهم القرآن. فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابو له وآمنوا به وصدقوا وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره، فلما قاموا اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقالوا لهم: خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم منأهل دينكم ترتادون لهم وتأتونهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال. ما نعلم ركبا أحمق منكم. أو كما قالوا لهم، فقالوا لهم: سلام عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليه لم نسأل أنفسنا خيرا (٢).

والرواية تؤكد إسلام هذا الوفد. غير أن هذا لا ينفي هذا التقارب بين الإسلام والنصرانية واليهودية في ذلك الوقت. خاصة وأن بقايا النصارى الموجودين في مكة قد شهدوا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة. والحركة الإسلامية من حقها أن تهادن من ترى مهادنته دون أن تقر لمبطل بباطل أو تعلن موافقة على عقيدة كافرة. أما نقطة اللقاء بين هذه العقائد فهي كونها من عند الله - بغض النظر عن الخلاف في جزئياتها - وعن التحريف الذي أصابها - ما عدا الإسلام الذي تكفل الله تعالى بحفظه.


(١) الروم ١ - ٥.
(٢) السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>