للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتؤكد هذه الصورة في عصرنا الحديث يوم أصرت السلطة الطاغية في بعض الأقطار على تسليم بعض قيادات الحركة الإسلامية لها مقابل حضورها مؤتمرا معقودا في الدولة المضيفة. إننا مع الجاهلية في معركة لا خيار فيها، وفي هذه المعركة لا نلتقي مع العدو في منتصف الطريق بل تحدد هدفها في اجتثاث جذور الدعاة واستئصالهم، وحين نفهم عدونا على ضوء هذا المعنى نتعامل معه على بصيرة منه ومن مخططاته.

السمة الخامسة

التجمع الوثني في المدينة

(... فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من عبدة الأوثان اجتمعوا لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ..).

لاحظنا أن الميثاق لم يعط التجمع الوثني بصفته كتلة في المجتمع حق الوجود، إنما سمح بوجوده بصفته أفرادا لا يجبرون على دخول الإسلام. وكان على رأس هذا التجمع عبد الله بن أبي الذي أقسم الأيمان المغلظة لقريش في موسم الحج أن قومه لم يعاهدوا محمدا ولم يعاقدوه، ولا يمكن أن يتم هذا دون علمه وأمره، فعندما بلغه أن الخبر صحيح امتلأ قلبه حقدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومما زاد الحقد في قلبه اشتعالا هو أن الخزرج والأوس بعد أن هدأت بينهم الثارات اجتمعوا على أن يعقدوا الملك لعبد الله بن أبي وكانوا ينسجون له الخرز ليتوجوه. فأحس عبد الله بن أبي أن عدوه الأول والأكبر هو محمد رسول الله. وتذكر كتب السيرة موقفا له في هذه المرحلة قبل دخوله الإسلام يوم مر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع ركب من قومه فنزل عن حماره وسلم عليه، (ثم جلس فتلا القرآن، ودعا إلى الله، وذكر بالله .. حتى إذا فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مقالته قال: يا هذا إنه لا أحسن من حديثك هذا إن كان حقا، فاجلس في بيتك فمن جاءك فحدثه إياه، ومن لم يأتك فلا تغشه به، ولا تأته في مجلسه بما يكره، فقال عبد الله بن رواحة في رجال كانوا عنده من المسلمين: بلى فاغشنا وائتنا في مجالسنا ودورنا، فهو والله مما نحب، ومما أكرمنا

<<  <  ج: ص:  >  >>