للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلاهة التامة أن يغيب هذا التاريخ الأسود عن الذهن، فلا يوضع في الحسبان، وبلغت البلاهة ببعض دعاة القومية حدا أنهم لا يعرفون شيئا عن تاريخ اليهود مع المسلمين، وحين يدرسونهم في التاريخ، يتحدثون عن تاريخهم في أوروبا وروسيا، وأنحاء العالم أما في أرض العرب، وفي حربهم مع المسلمين فلا. وينسون أو يتناسون أو يتبالهون أن الشوكة اليهودية لم تنتزع من الأرض العربية إلا بالإسلام وعلى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى وجودهم العسكري أربعة عشر قرنا من الزمان، ولم يعودوا للظهور إلا عندما غاب الإسلام عن الوجود والحكم، وعادوا يثأرون لقريظة وخيبر.

لقد التقت كلمة اليهود جميعا النضير وقريظة وقينقاع الذين تبقوا في خيبر على استئصال الوجود الإسلامي، جيشوا الجيوش، وحزبوا الأحزاب، ووحدوا صفهم لحرب المسلمين.

والطبيعة اليهودية هنا تظهر في حالة ضعف أعدائها. {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون (١)}. فهم وافون بالعهود طالما أنهم ضعاف أذلة، وهم ناكثون للعهد حين يجدون الفرصة مواتية للانقضاض، لقد كانوا يقولون: من محمد؟ لا عهد بيننا وبين محمد.

وذلك عندما ذكرهم السعدان بحلفهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولم يمر على المسلمين ظروف أسوأ من ظروف الأحزاب يوم الأحزاب، وما كان العهد إلا لذلك اليوم، ومع ذلك نقضوا عهدهم في اللحظة الحاسمة، ورغم وجود بوادر الخير لدى زعيمهم كعب فهو في النهاية يهودي غادر لا يرضيه شيء أكثر من إنهاء الوجود الإسلامي، وتم له من يوافقه على ذلك. إنه الهدف النهائي لليهود والنصارى مهما أظهروا على الطريق من سلام


(١) التوبة، الآية ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>