للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في غير كتاب الله وسيرة رسوله، أن يبلغ الأمن حد النعاس يغشى المؤمنين في قلب المعركة. والسيوف كالصواعق تنصب من كل جانب والنبال تنهمر كالمطر، وخيل المشركين تقتحم الصفوف، والمؤمنون أثبت من الجبال في قلوبهم كما يقول أبو طلحة: (رفعت رأسي يوم أحد، وجعلت أنظر، وما منهم يومئذ أحد إلا يميل تحث جحفته من النعاس (١)). وفي رواية أخرى عنه: غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه). والفريق الآخر وصل به الضعف والوهن إلى عودة النفسية الجاهلية لديه ودخل الخلل إلى تصوراته العقيدية كذلك {وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور (٢)}. والفريق الثالث لم يتمالك في المعركة فلاذ في الفرار {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم (٣)}. لاذوا بالفرار ولما يمر عليهم سنتان من الزمان بل سنة واحدة حين نزل عليهم قول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير (٤)}. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعركة، فليس فئتهم حتى يتحيزوا إليه في المدينة، ولقد عفا الله عنهم لشدة الهول الذي لاقوه، حين أطبق عليهم الكفار.

إن ضخامة المحنة تظهر في الوضع الذي انتهى إليه جيش النبوة، بين النماذج الإيمانية العالية التي تمثلت في:


(١) رواه الترمذي والنسائي والحاكم.
(٢) سورة آل عمران ١٥٤.
(٣) سورة آل عمران ١٥٥.
(٤) سورة الأنفال الآية ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>