للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين يديه، وأخبره الخبر، فدفع إليه عصا وقال: تخصر بهذه في الجنة، فإن المتخصرين في الجنة قليل. وكانت عنده حتى أدرجت في أكفانه بعد موته (١).

أما عملية الاغتيال هذه التي قام بها عبد الله بن أنيس وحده. فقد أنهت معركة، وقضت على عدو. وكان لا بد هنا ولما تجف الدماء بعد من أحد. والتحرك بجيش جديد للمدينة، يعني خطرا كبيرا ولا تزال الجراحات تنزف من الجيش المؤمن، واستطاع عبد الله وحده بعون الله أن ينفذ مهمته كاملة، واختباؤه في غار حتى يهدأ الطلب. ومسيره في الليل وكمونه في النهار، يدل على عبقرية تخطيطه اقتداء بهدي قائده محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم الهجرة. وبطن عرنة هو قرب مكة بين عرفات ومزدلفة. وهذا يعني أن المهمة قرب مكة. فهي ذات أثر معنوي ضخم أن تصل قوة محمد إلى حدود مكة. وهو يقض مضاجع قريش بذلك.

إن حسن اختيار الأشخاص للمهمات شيء مهم جدا. فابن أنيس وحده أمه يمضي إلى بطن عرنة ويقتل قائد جيش العدو في خبائه. ويختفي في أرضه، بعد أن يحتز رأسه ويعود به إلى المدينة. إنها لبطولة خارقة ولا شك. تذكرنا ببعض العمليات الفدائية التي قام بها الشباب المجاهدون بالشام. إذ كان أخ واحد في سيارته الملغومة يمضي فيفجر أكبر تجمعات العدو دون أن يعثر له على أثر ويقضي على أكبر شخصياته.

و- مقتل أبي رافع بعد الخندق:

(كان مما صنع الله به لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أن هذين الحيين من الأنصار الأوس والخزرج كانا يتصاولان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصاول الفحلين، لا تضع الأوس شيئا فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غناة إلا قالت الخزرج: والله لا تذهبون: بهذه فضلا علينا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي الإسلام. قال: فلا تنتهون حتى يوقعوا مثلها، وإذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك. ولما أصابت الأوس كعب بن الأشرف في عداوته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت الخزرج: والله لا تذهبون


(١) إمتاع الأسماع للمقريزي ١/ ٢٥٤ - ٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>