للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانطلقت إلى أصحابي فقلت النجاء فقد قتل الله أبا رافع. فانتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثثه. فقال أبسط رجلك. فبسطت رجلي فمسحها فكأنما لم أشتكها (١).

نموذج فذ فريد مثل عبد الله بن أنيس الذي كان أحد الخمسة الفدائيين اليوم ابن عتيك. ولئن كان ابن أنيس قد قتل سفيان في خبائه، فابن عتيك قد اقتحم على سلام بن أبي الحقيق حصنه، واغتاله في فراشه، وهو أعلى مستوى يمكن أن تصل إليه عبقرية الاغتيال، في فراشه وبين أهله، وتصبح مفاتيح الحصن والبيت بيده، وهو في خيبر، في قلب حصون العدو، حيث أمضى المسلمون فيما بعد قرابة شهر وهم يفتحون هذه الحصون.

وتذكر بعض الروايات أن أم عبد الله بن عتيك كانت في خيبر وهي التي هيأت له ولسريته الدخول إلى حصونها، ولا يبعد ذلك غير أن رواية البخاري لم تذكر ذلك. والجرأة العجيبة التي أدى ابن عتيك تحير اللب وتذهل العقل، لقد غامر أولا بإغلاق الأبواب. وحسب أسوأ الاحتمالات أن يصل العدو إليه، لكنه لن يمكن أهل خيبر من الوصول إليه قبل أن يصل إلى عدو الله أبي رافع فيجهز عليه، ثم غامر ثانيا فاختبأ، وأصبح الخطر جاثما حوله لأنه لم يحقق هدفه بعد، وتقدم نفسه يسأل أبا رافع عن الصوت ليتأكد من مكانه فيه. ثم غامر ثالثا. بأن كمن حتى تأكد من مقتل أبي رافع، علما بأن ساقه قد كسرت، فنسي ساقه من أجل تحقيق مهمته، ثم مضى إلى رفاقه، فغادروا خيبر متجهين إلى المدينة. ولم يتخل عن مهمته حتى أنفذ السيف في بطنه إلى أن خرج من ظهره.

إنها أمثولة خالدة نضعها بين يدي المجاهدين نموذجا حيا لتنفيذ المهمات الموكلة إليه. وتطالعنا كذلك صورة التنافس الكبير بين الحيين العظيمين في القضاء على أعداء الله، وهو تنافس محبب يحسن أن يتحرك بين المجاهدين حرصا على مرضاة الله، ويتسابقون في القضاء على خصوم الإسلام وهم


(١) صحيح البخاري ٢/ ٥٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>