للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقام أسيد بن حضير في مائتين على شفير الخندق، فكرت خيل للمشركين يطلبون كرة عليها خالد بن الوليد - فناوشهم ساعة، فزرق وحشي الطفيل بن النعمان بمزراقه فقتله كما قتل حمزة رضي الله عنه بأحد. فلما صار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قبته أمر بلالا فأذن وأقام للظهر وأقام لكل صلاة إقامة فصلى كل صلاة كأحسن ما كان يصليها في وقتها .. وقال يومئذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: شغلنا المشركون عن صلاة الوسطى ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا (١).

٢٢ - كان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة، فلم يشهد يوم أحد فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه. فلما وقف هو وخيله، قال: من يبارز؟ فبرز له علي بن أبي طالب، فقال له: يا عمرو، إنك كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه: قال له: أجل؟ قال له علي: إني أدعوك إلى الله وإلى رسوله، وإلى الإسلام، قال: لا حاجة لي بذلك؟ قال: فإني أدعوك إلى النزال، فقال له: لم يا بن أخي؟ فوالله ما أحب أن أقتلك، قال له علي: لكني والله أحب أن أقتلك، فحمي عمرو عند ذلك، فاقتحم عن فرسه، فعقره، وضرب وجهه، ثم أقبل على علي، فتنازلا وتجاولا، فقتله علي رضي الله عنه، وخرجت خيلهم منهزمة، حتى اقتحمت عن الخندق هاربة. قال ابن إسحاق: وقال علي بن أبي طالب رضوان الله عليه في ذلك:

نصر الحجارة من سفاهة رأيه ... ونصرت رب محمد بصواب

فصددت حين تركته متجدلا ... كالجذع بين دكادك وروابي

وعففت عن أثوابه ولو أنني ... كنت المقطر بزني أثوابي

لا تحسبن الله خاذل دينه ... ونبيه يا معشر الأحزاب (٢)

وهكذا وجدنا أن الجهد البشري في البذل قد أدى دوره تماما في الحرب، ولم يبخل المسلمون بأرواحهم ودمائهم وقودا للمعارك، حتى هيأ الله تعالى لهم نصره الذي جعله حقا عليه للمؤمنين.


(١) امتاع الأسماع ١/ ٢٢٢ - ٢٢٣.
(٢) السيرة النبوية لابن هشام ٣/ ٢٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>