للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع (١) والخف، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل؟ ثم قام إلى حمله وهو معقول فجلس عليه، ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فوالله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم، ولولا عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن لا تحدث شيئا حتى تأتيني، ثم شئت لقتلته بسهم. قال حذيفة: فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم يصلي في مرط (٢) لبعض نسائه، مراجل. فلما رآني أدخلني إلى رجليه وطرح علي طرف المرط، ثم ركع وسجد وإني لفيه، فلما سلم أخبرته الخبر، وسمعت غطفان بما فعلت قريش. فانشمروا راجعين إلى بلادهم. ولما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف عن الخندق راجعا إلى المدينة، والمسلمون ووضعنا السلاح (٣).

السمة الخامسة والعشرون

التربية الإلهية للنفوس عقب المعارك

لقد كانت التربية الإلهية في الحقيقة مستمرة لا تنقطع أبدا في الحضر والسفر، في الجهاد والإقامة، في الغزو وفي المرابطة. كان القرآن يتنزل ليبني هذه الأمة ويصنعها على عين الله سبحانه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أمام المربين، يعالج هذه النفوس البشرية حتى تستوي على منهج الله. وهو الخط الذي لم ينقطع أبدا خلال حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ..

وحيث أنه من الصعب التفصيل بكل معالم هذه التربية خلال هذه المرحلة، فيكفي أن نقف مع كتاب الله تعالى، وهو يعالج هذه النفوس


(١) الكراع: الخيل.
(٢) المرط: الكساء.
(٣) المصدر نفسه ٣/ ٢٤٢ - ٢٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>