للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شملته (١) الآن لتحترق عليه في النار، كان غلها من فيء للمسلمين يوم خيبر. فسمعها رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاه فقال: يا رسول الله: أصبت شراكين لنعلين لي، قال فقال: يقد لك مثلهما في النار) (٢).

نضع هذا الغلام الذي رآه الناس من أهل الجنة وهو يعيش في الصف المسلم منذ فترة غير قليلة، ثم أصبح من خواص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخدمه مع الغلام الآخر، الأسود الراعي الذي قص لنا ابن إسحاق خبره حين قال: يا رسول الله: اعرض علي الإسلام فعرضه عليه، فأسلم وكان رسول الله لا يحقر أحدا أن يدعوه إلى الإسلام، ويعرضه عليه، فلما أسلم قال يا رسول الله إني كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم وهي أمانة عندي، فكيف أصنع بها؟ قال: اضرب في وجوهها فإنها سترجع إلى ربها. فقام الأسود، فأخذ حفنة من الحصى، فرمى بها في وجوهها، وقال: ارجعي إلى صاحبك، فوالله لا أصحبك أبدا، فخرجت مجتمعة كأن سائقا يسوقها حتى دخلت الحصن، ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين فأصابه حجر فقتله، وما صلى لله صلاة قط، فأتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضع خلفه، وسجي بشملة كانت عليه، فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه نفر من أصحابه ثم أعرض عنه فقالوا: يا رسول الله: لم أعرضت عنه، فقال: إن معه الآن زوجتيه من الحور العين) (٣).

صورتان متقابلتان عجيبتان لغلامين في الصف المسلم، ونهايتان أغرب وأعجعب.

غلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقتل بين يديه، ويهنأ بالجنة على ظاهر الأمر وغلام يهودي لم يصل لله صلاة قط، ويقتل على باب الحصن الذي خرج منه. والشملة التي غلها غلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي خيانة كانت كفيلة أن تشتعل عليه في النار، ويحرم من الجنة، ولم يشفع له خدمته لرسول الله، وماضيه السابق في الصف المسلم، وأمانة الغلام اليهودي تحولت كرامة له بحفنة من حصباء في وجه الغنم يقول لها: فوالله لا أصحبك أبدا، ويدخل في الاسلام طاهرا من يهوديته ومن ذنوبه بهذه الأمانة العظيمة. وما هي إلا ساعة حتى يغدو الغلام اليهودي قتيلا. فتتدلى له زوجتاه من الحور العين تحفانه إلى الجنة.

يا شباب دعوة الإسلام:

ليكن هذا الدرس حيا في نفوسكم، فالخطيئة الصغيرة تؤدي إلى النار ولو كانت شملة من غنيمة لا يؤبه لها. ولا يشفع معها قدم في الدعوة أو ماض في الجهاد أو موقع في التنظيم.

والاستقامة على المنهح ولو كانت من أعدى أعدائكم لحظة واحدة كفيلة بالشهادة في سبيل


(١) الشملة: كساء غليظ يلتحق به.
(٢) يقد: يقطع.
(٣) السيرة لابن هشام ج ١: ٣٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>