للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حين تكون الظروف مواتية. فلا يجوز أن يذهب دم الشهيد هدرا، ولا بد أن يثأر له.

ونقف أمام هذا العدد الضخم الذي تحرك للقاء الروم، فلم يتحرك جيش خارج المدينة أكثر من ألف وخمسمائة مقاتل، وأكبر جيش حشده المسلمون داخل المدينة هو جيش الخندق وكان قوامه ثلاثة آلاف مجاهد، وها هو الجيش الإسلامي يتحرك اليوم مغادرا المدينة إلى الشام بثلاثة آلاف مجاهد، وهنا نشير إلى الفتح المبين في الحديبية. حيث تضاعف عدد الجيش الإسلامي بعد الحديبية بسنة ونصف على التقريب. وبدأت تظهر أسماء جديدة لم تكن تعرف من قبل فقائد ميمنة المسلمين في الحديبية قطبة بن قتادة وهو من بلى وهذا معنى مهم إذ القبائل التي تواجه المسلمين فيهم تجمع كبير من هذه القبيلة.

ونضيف في الحديث عن هذا الحشد إلى شعور الرسول - صلى الله عليه وسلم - بخطورة المواجهة مع دولة عظمى، فلن يصلح لهذه المواجهة عدة مئات.

ويؤكد هذا المعنى كذلك تعيين الأمراء الثلاثة فلم يسبق لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلال المراحل السابقة أن عين أكثر من أمير على الجيش لكنه كان يعلم عليه الصلاة والسلام بما أوحى الله تعالى إليه أن الأمراء يلقون مصرعهم في هذه المعركة.

ولقد أدرك اليهود هذا المعنى حيث قال أحدهم: (إن الأنبياء في بنى إسرائيل كانوا إذا سموا الرجل على القوم فقالوا إن أصيب فلان ففلان. فلوا سموا مائة أصيبوا جميعا ثم جعل يقول لزيد: اعهد فإنك لا ترجع أبدا إن كان محمد نبيا قال زيد: أشهد أنه نبي صادق) (١) وقد يقول قائل كان بإمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تجنب هذه المواجهة مع العرب الغساسنة في الشام لكن الصورة المقابلة كذلك إن قتل هذا الرسول ولم يثأر له. فقد يدفع عرب الشام مع الروم إلى غزو المدينة. وكثيرا ما يكون الهجوم وسيلة ضخمة من وسائل الدفاع عن النفس.

وإذا كانت قوة الجيش تقاس بمعنوياته. فلن نجد أقوى من هذا الجيش والأصل أن يكون المسلمون اليوم في هذا الاتجاه عندهم بعض الخوف والتردد فهم يقدمون على حرب في البلقاء على تخوم الروم، واحتمال المواجهة واردة معهم. ولم يسبق لهم رصيد من التجربة في الحرب مع الروم أو الفرس والدولتان الكبريان آنذاك تتقاسمان الأرض ومع ذلك فقد كان أحد القادة الثلاث يبكي وقد حضره المسير، ولم يكن سبب بكائه جزعا من الموت إنما كان خوفا لما بعد الموت، خوفا من النار التي يرد عليها الناس جميعا: {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا} وتصور الناس أن الدعاء بالسلامة هو الذي يثلج الصدر فقالوا له ولإخوانه: صحبكم الله ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين. فكان جواب القائد الشاعر ابن رواحة


(١) البداية والنهاية لابن كثير ج ٤ ص ٢٤١ عن البيهقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>