للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لوطنه، وحنينه لقومه، وارتباطه بأرضه. أن تكون رابطة العقيدة أعمق غورا في نفسه، وأشد أثرا في قلبه من أية رابطة أخرى مهما سمت وارتفعت.

{قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من اللهد ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين (١)}.

وخاصة أن الهجرة لهذه الأرض النائية، والمعيشة بين قوم غير قومهم يتكلمون بلغة غير لغتهم، ولهم عادات وتقاليد ودين غير عاداتهم ودينهم وتقاليدهم هي أشق على النفس وأقسى على الروح. فما لم يكن جنود الحركة الإسلامية على المستوى المذكور من الإيمان، فلن تنجح القيادة في تنفيذ خطتها ومخططاتها.

إنه لا بد أن يتربى الشباب المسلم على أن تكون عقيدته أغلى عليه من كل شيء في حياته، وأن يكون ارتباطه بدينه أقوى من أية رابطة أخرى من أهل أو زوج أو ولد أو عشيرة أو أرض أو مال أو وطن أو مصلحة.

وهذا المستوى الإيماني العظيم هو الذي جعل هذه الأعداد الكبيرة تهاجر إلى هذه الأرض النائية البعيدة.

إننا ونحن اليوم في القرن العشرين، وفي وسائل المواصلات الضخمة التي اختصرت الأشهر بالساعات، وبالارتباط العالمي القائم في دول الأرض من حيث الاتصال، لو دعينا إلى الهجرة إلى الحبشة لأحسنا بثقل ذلك وصعوبته، ووجدنا من يتلكأ عن الإجابة. وسماعنا بالحبشة بالذات يجعل الوحشة والرهبة هي المسيطرة على كياننا لو دعينا لذلك.

فكم يا ترى هو المستوى الإيماني الرفيع لدى تلك العصمة المؤمنة في الأرض، وهم يعرفون الأحباش وينظرون إليهم من على على أنهم عرب أقحاح، وأولئك عجم سود كأن رأس كل منهم زبيبة، كانوا يترفعون عنهم


(١) سورة التوبة، الآية ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>