للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكتبت عن السلطان في بعض البشائر، ما ألهي بحلاوته عن رأي الشائر. وهو أنا لما عدنا إلى دمشق رأينا أن لا نستريح، ولا نثني عن كسر العدو عزمنا الصحيح.

فقلنا نغتنم هذه الشتوة ونستكمل الحظوة، ونواصل بالغزوة الغزوة. ونستخلص هذه القلاع التي شغلت منا في هذا الجانب قلوبا وعساكر. وأبقيت لأهل البلاد في طريقها ندوبا ومعاثر. وبيمن صدق هذه العزيمة؛ والاستمرار في الجهاد على الشيمة؛ وردت البشرى بأن حصن الكرك عاد إليه بعد الجماح الأصحاب، وخرج منه الفرنج ودخله الأصحاب. وهو الحصن الذي كان طاغيته يحدث نفسه بقصد الحجاز، وقد نصب أشراك إشراكه منه طرق الاجتياز.

فأذقناه عام أول كاس الحمام، وملكنا حصته الذي يعتصم به في هذا العام، واضطر الكفر في إسلامه إلى الإسلام، وتم بحل هذا البيت أمن البيت الحرام.

وقد كان هذا الحصن ذنب الدهر في ذلك الفج، وعذر أهله في ترك الحج. وابتسم الإسلام حيث زيد ثغرا، وساق إلى عقائله الرجال مهرا. فالحمد لله على ما قدر من الحسنى، ويسر من النعمى. حمدا يكون لما قدر ازاء، ولما يسر جزاء. والحمد لله الذي أنجز صادق عداته، في كاذب عداته.

[ذكر محاصرة صفد وفتحه وإدراك السعي فيه ونجحه]

وقطعنا مخاضة الأحزان خائضين في بحار المسرات المتواصلة، راكضين إلى مضمار المبرات الحافلة. والسلطان سائر والجنة تحت راياته مفتوحة أبوابها، والنصرة فوق ألويته ممدودة أسبابها. في اطلاب أبطال إذا أوعاها الفجر لم يسعها إلى عشائه، وإذا طلع عليها سرحان الصباح سقط من عجاجها على عشائه. ونزلنا على صفد، والصبر قد نفذ، والنصر قد وفد، والقدر قد وقد، والعزم قد وقد.

وجاء الملك العادل وظاهر أخاه، وضافره فيما توخاه، وشد بالرأي والحزم ما الزمان أرخاه، وبعث كل ذي عزيمة على التصميم ونخاه. وشرعنا في مراومة

القلعة، ومساومة السلعة. وجثت المجانيق لاجتثاثها، وحدثنا بألسنة أحداثها. ورمتها عن قسيها بالقاسيات، وسمت إلى هضاب تلك الأبراج الراسيات، وأمطرت عليها حجارة، ولم نعطها من العذاب الواقع بها إجارة. فما رفع بها الحصن الراسي رأسا ولا الحجارة مست منه ركنا ولا النقوب باشرت أساسا. ودامت المجانيق منصوبة قد قام دست شطرنجها والنقب لم يكتشف نقب السور عن وجوه فرنجها.

ودمنا عليها ثامن شوال، ونوعنا في افتتاحها الاحتيال. وحتى أذن اله في الفتح فسهل ما تصعب، وحضر ما تغيب، وظهر ما تحجب. وتيسر ما تعسر، وأمكن ما تعذر. وتأتى، وأجاب نداء الإسلام ولبى. وعلموا أن صفد أن لم تخرج من أيديهم دخلت أرجلهم في

<<  <   >  >>