للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما خالطونا في المخيم، وباسطونا في المجثم؛ وكنا على بغال؛ بغير أهبة قتال؛ استدركنا أمرنا، وأخذنا منهم حذرنا. ورأينا العسكر موليا، والمنهزم عما تركه من خيامه ورحله متخليا. فوافقنا في الاندفاع، وألفينا الاستضرار في المال عين الانتفاع.

فوصلنا إلى طبرية فيمن وصل، ووجدنا ساكنها قد أجفل. فسقنا إلى جسر الصنبره ونزلنا على شرقيه، وكل منا ذاهل عن شبعه وريه، مفكر فيما يكون من امره، منكسر القلب لما تم على الإسلام من كسره. لا يألف مبيتا. ولا يلفى بيتا. ممسك بلجام فرسه، قد آذن ضيق نفسه بضيق نفسه. ومن المنهزمين من بلغ عقبة فيق، وهو غير مفيق، ومنهم من وصل إلى دمشق غير معرج على طريق.

وأقمنا بموضعنا على الجوى، والخيل واقفة بلجمها والطوى. والغمض غير طارق، والفرق غير مفارق، القلوب مرتاعة مرتابة، والأدعية إلى الله مرفوعة مستجابة. وتحدث الناس فيما بينهم بأن الإسلام عاد جده، وعدا جنده، وأن الكفر حاد وفل حده. وأن الميسرة ثبتت فثاب اليسر، والأسدية انتصروا فأسد النصر.

وكان هذا الصدى يقوى، والصدأ يروى، والبشرى تسرى، والبرد بها تجرى، والناس بين مصدق ومكذب، وذاهب في مذهب من الظن مذهب مهذب، حتى عبر سحرا علينا خادم اسمه (صافي)، وقد ورد مورد الظفر الصافي. فنادى: أين العماد! فقد جاءه من النصر المراد.

فأسرعنا إليه، واجتمعنا عليه. فقلنا: ما الخبر، وكيف ضفا الظفر، وصفا الكدر. وقدر السلطان وتسلط القدر، وإلى أين أنت سار بالنبأ السار، وفي أية دار تنزل بمنزل النصر الدار فقال: أنا بشير دمق بالنبأ العظيم، والخبر الكريم. فقلنا أهلا

بشائر البشائر وطائر الأوطار، والسائر بالمسار، والأخ البار بالأخبار. والصديق الصادق، والموفق الموافق. ومرحبا بالخصى الخاص لما مر حبا، فحل بالخير الفحل فحلا، وكم أم للنجح أملا وجلا وجلا.

فأبنا محبورين، وثبنا مثابين مأجورين. وندمنا على ما ندمنا في الهزيمة، وعز علينا ترك الأخذ بالعزيمة. ولقينا السلطان وقد فتك وقتل، وجد وجدل، وانتقم من القوم ومن مقامه ما انتقل. وقد شل الجموع وجمع الأشلاء، وأدام الإجراء حتى أجرى الدماء.

[ذكر حصة النصرة بعد صحة الكسرة وكيف أدال الله الإسلام وأذال الكفر بتلك الكرة]

ولما تمت الكسرة؛ وعمت الفترة؛ وكرت الكرة؛ وأمرت تلك المرة؛ وصل جماعة من الفرنج إلى خيمة السلطان، وشيم من عارض اعتراضهم شؤم شيمة الشيطان. وجالوا جولة، وخالوا دولة، وصالوا صولة. ثم رأوا عنهم انقطاع أشياعهم، وعدموا اتباع أتباعهم، فشرعوا في اندفاعهم، وهابوا الوقوف على اجتماعهم. فانحدروا عن التل،

<<  <   >  >>