للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ذكر ما اعتمده السلطان من تقوية البلد ونقل الرجال والذخائر والعدد]

ولما اشتد البرد وتوالت الغيوث؛ وتبحرت السهول والوعوث؛ وحالت الأوحال؛ ولاحت على خلاف المراد الأحوال؛ وتعذر الخروج إلى تلك المروج؛ وامتنع على السالك قصد أولئك العلوج؛ وزال حكم النزال؛ واستقال من استقل بالقتال؛ شرع السلطان فيما هو أنفع وأجدى، وأنجع وأنجى، وأرجع بالاحتياط والحزم وأرجى؛ وهو تقوية عكاء بالميرة والذخيرة، والأسلحة الكثيرة. والرجال الحماة، والأبطال الكماه.

فنقل إليها في المراكب جماعة من الأمراء الاملئاء بأجنادهم، فدخلوا إليها بعددهم وأزوادهم. واستظهر البلد أيضا برجال الأسطول ورؤسائه وقواده، فما دخل أحد فيها إلا بزيادة في زاده. وكانوا زهاء عشرة آلاف بحرى حربى، على الجري إلى الموت جرى. فامتلأ البلد بكل منتخب منتخ، ومرخص مهجته الغالية للإسلام مصرخ. وانتفع بهم في جذب المنجنيقات، والرمى في العرادات، والحذف بالنفاطات، والإحراق بالزراقات؛ والزرق بالمحرقات. وإلقاء القوارير، وإذكاء المساعير. وتطريح النار؛ وتطويح الأحجار؛ ومواصلة القطاعات، والزيارة بالزيارات. وتوتير الجروخ والزنبوركات، وتطيير الناوكات النواكي من مقاتل العدو إلى الوكنات. ومناشبة الفرنج في كل وقت بالأخذ والوقذ، والجد في الجد والجذ. وطروقهم ليلا على سبيل التلصص، وسوقهم من سوقهم على وجه التصيد والتقنص.

وكبسوا ليلة سوق الخمارات والعواهر، وسبوا عدة من المستحسنات الفواجر. واستنصروا بذلك واستبشروا؛ واجترأوا منه على ما أجروا.

وكذلك من عندنا يدخل إليهم الرجال متسوقين، ويأتونهم من كل جانب مجتمعين ومتفريقين. فمن قدر على حصان أخذه وأخرجه، ومن تعذر عليه إخراجه عقره وبعجه. ومنهم من يهجم على الرجال في خيمته ويرهبه بمد مديته. ويسلبه سكونه

بسكينه، ويجعله أن لم ينجذب معه من حينه على يقينه. فيقوده بخطام القهر، ويجذبه بخدام الأسر.

ووقع القوم من هذا في بلاء مبل، وعناء عن حب الحياة مسل. فقد كثر إليهم الاجتياز ومنهم الاحتياز، وشق عليهم الاحتراس والاحتراز. وتحيل الناس في اغتيالهم بكل طريق، وازداد فرقهم من كل فريق. وأعدت الحال من الليل إلى النهار، والمكابرة والجهار، حتى كان رجالنا يختفون بالحشيش في أجراف الأنهار، فإذا صادفوا فارسا ورد الماء فاجئوه بالقتل أو الإسار.

[ذكر حال نساء الفرنج]

وصلت في مركب ثلاثمائة امرأة إفرنجية مستحسنة، متحلية بشبابها وحسنها

<<  <   >  >>